بقلم - جبريل العبيدي
نهب النفط الليبي بطرق شتى كان ولا يزال مستمراً، سواء بعلم السلطات، أو بدون علمها، ولعل غرق السفينة التي تحمل 750 طناً من الوقود قبالة سواحل تونس، وما صاحبه من جدل وتصريحات، منها تصريحات وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسي السابق، مبروك كرشيد، حول سفينة النفط الغارقة قرب الشواطئ التونسية بالقول إنها «سفينة تركية محملة بالنفط الليبي المهرب». واستطرد بالقول إن السفينة من «الخافرات البحرية التي تتولى الاستيلاء ونهب البترول الليبي انطلاقاً من الموانئ الواقعة بالمنطقة الغربية من ليبيا»، بينما السلطات التونسية تقول إن السفينة قادمة من ميناء دمياط المصري ومتوجهة إلى مالطا، وأياً كانت وجهة السفينة، فهي بالتأكيد ليست السفينة الأولى ولن تكون الأخيرة المتهمة بتهريب ونهب النفط الليبي.
وهناك الحديث عن السفينة التركية «كفلاي كوين» الخاصة بنقل الركاب للسياحة، ولكنها أيضاً متهمة بنقل أكثر من ربع مليون لتر بنزين ليبي يومياً، واللتر سعره نصف سنت من ليبيا ليباع في تركيا بأكثر من دولار.
ليبيا والنفط والتدخلات ومافيا النفط، التي جعلت من نفسها مالكة للنفط الليبي، والليبيون هم مجرد خفراء عليه، ولهذا تبدو الشركات النفطية في ليبيا بمثابة حكومة الظل والدولة العميقة التي تتحكم في مصير البلد، حتى تحول النفط إلى لعنة لم تتوقف، بل طالت خبير النفط والاقتصاد الإصلاحي الليبي شكري غانم شكري غانم، «الميت الذي ما زال يتكلم»، كما كتبت عنه صحيفة «لوموند» الفرنسية، فهو كان آخر وزير نفط ليبي زمن القذافي.
وعن حماية عائدات النفط الليبية من الاختلاس، جاء في بيان السفارة الأميركية أن السفير نورلاند ونائب مساعد وزير الخزانة إريك ماير، بحثا مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الجهود المشتركة لتعزيز الشفافية في مصرف ليبيا المركزي، لا سيما فيما يتعلق بالإنفاق العام. وأكد السفير نورلاند أن «الولايات المتحدة تشارك الليبيين قلقهم من إمكانية تحويل الأموال لدعم أغراض سياسية حزبية، أو تقويض السلام والأمن في ليبيا». وحث السفير ونائب مساعد وزير الخزانة ماير، محافظ مصرف ليبيا المركزي، على حماية عائدات النفط الليبية من الاختلاس لإعادة بناء الثقة بالمؤسسة والمساهمة في الاستقرار.
النفط الليبي يمثل 93 إلى 95 في المائة من إجمالي الإيرادات، ويغطي 70 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، ولكن رغم الإنتاج وفارق ارتفاع أسعار برميل النفط، خصوصاً بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وتوقف تدفق النفط الروسي نحو الأسواق الغربية، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية عجزت حتى عن توفير الكتاب المدرسي للطلاب، مع انهيار تام في القطاعات الخدمية والصحية، حيث تعاني أغلب المستشفيات من العجز في توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية، والعجز المتكرر في توفير تطعيمات الأطفال وأدوية الأورام والكلى.
ولكن تبقى الحقيقة المرة، وهي أن حجم واردات النفط الليبي ضخمة مقارنة بما ينفق على الأرض في ليبيا، التي تكاد تكون أقرب إلى الصومال في البنية التحتية، مما يطرح تساؤلات كثيرة، بدءاً من زمن القذافي إلى اليوم، أين ذهبت عائدات النفط الليبي؟
وفي خطوة أخرى استفزازية ومخالفة للنظام المالي في الدولة الليبية، قامت المؤسسة الوطنية للنفط بتحويل مبلغ 6 مليارات دولار إلى حساب وزارة المالية التابعة للحكومة المقالة من قبل البرلمان الليبي، مما أثار ذلك الأمر غضب الأعيان بالمناطق المتاخمة للحقول والموانئ النفطية، الذين طالبوا بإيقاف الإنتاج والتصدير، حرصاً على المال العام.
إغلاق حقول وموانئ النفط يعد خطوة مؤلمة، ولكنها الحل الواقعي لمنع نهب مصدر ثروة الليبيين، طالما المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي والحكومة ثالثهم لا تحمي أموال الليبيين من الاختلاس أو التهريب، سواء كان ذلك نفطاً خاماً أو مشتقات بترول أو أموالاً سائلة.