بقلم - جبريل العبيدي
هل سينجح تفشي خطاب الكراهية في تفريق الليبيين، بعد انتشاره بين فضائيات تزعم أنها ليبية، منذ أن انتشرت تلك الفضائيات بعد «ثورة فبراير» (شباط)، ونحن نشهد كل يوم ولادة فضائية جديدة حتى تجاوزت العشرات، وأخذت كل قناة مشرباً لها يعتمد على تمويل الممول وسياسته والدفع بخطابه الموجه، حتى كادت لا تخلو قناة من خطاب الكراهية الموجه للآخر، مما تسبب في حالة من الاصطفاف غير مسبوقة، كل خلف ما رأى أن الخطاب يخدم مصلحته، وأصبح المواطن البسيط الذي عاش لعقود وسنوات على خطاب أحادي وتلفزيون واحد محتاراً في خياراته.
توظيف الإعلام واستخدامه كسلاح، يعتبر لا يقل خطورة عن البنادق والمدافع، في كثير من الأحيان، خاصة إذا تلقى هذا الإعلام المرتزق غير المؤهل الأموال بغير حساب، إذ إنه سيدفع المرضى وضعاف النفوس، إلى إحداث عداوات بين فئات المجتمع عن طريق تبني خطاب الكراهية، وإشعال الفتن.
التضليل الإعلامي وتجزئة الصورة وبعثرتها تقدم مشهداً مزيفاً للحقيقة، وهذا ما يصنعه إعلام الكراهية، عبر فضائيات، وحسابات مواقع التواصل والمنصات الإعلامية المتنوعة، وطبعاً هذا الخطاب الفضائي الموجه والممول من الخارج قبل الداخل، بل وفي فضائيات أغلبها تبث من خارج ليبيا، وتحمل اسمها مسبوقة بكلمات مختلفة ليست جميعها في سلة واحدة، من حيث الخطاب الموجه وخطاب الكراهية، فالتعميم غير صحيح، ولكن كثيراً منها يمارس الخطاب الموجه وتحشيد المواطنين وتضليل الرأي العام.
مارست بعض الفضائيات التوظيف السياسي للفتوى الدينية، فجلبت «مشايخ» للفتوى لصالح هذا الطرف أو ذاك، بل إنها استخدمت لغة التكفير ضد الجيش الوطني ومن يقف بصفه، كما كان المفتي المعزول من البرلمان، مفتي جماعة الإخوان الذي أطلقوا عليه أيام سيطرتهم على مطلق الحكم في ليبيا صفة «مفتي الديار الليبية»، قبل أن يسحبها منه البرلمان الليبي ويعزله عن دار الإفتاء، فقد كان يظهر بفتاوى تكفر أفراد الجيش، وتحط من قدر مناصريه، بل وكان محراكَ شرٍ مستطير، فهذا الرجل لا يدعو أبداً للسلم أو التآخي الاجتماعي، بل يحرض على القتل والفتن، وهذا مثبت وموثق في طلَّاته التلفزيونية الكثيرة. ويكفي أن نقول إنه القائل عن التنظيم الدموي «داعش» «إنهم إخوة لنا».
بل إن المفتي المعزول مفتي جماعة الإخوان في خطابه التحريضي الأسبوعي، كان يستند في تحريمه للأشياء، إلى أساس أنها خروج على مبادئ «ثورة فبراير»، وكأن الثورة مرجع ديني أو أحد مراجع الفتوى، بينما تجاهل أصول الفتوى التي تستند للكتاب والسنة والإجماع في الحلال والحرام، ولا تستند إلى مبادئ «ثورات» سياسية يصاحبها الخطأ والصواب، وإلا اعتبر ذلك توظيفاً سياسياً للدين وهو منهج هذه الجماعة.
وهناك فضائيات تستخدم خطاب الكراهية من خلال ممارسة الفتنة بين القبائل والمدن، وإذكاء النعرات القبلية والجهوية، والتذكير بصراعات وخلافات اندثرت وطواها الزمن وتناساها أصحابها، لتعود تلك الفضائيات، ومن خلال خطاب الكراهية إعادة صياغة تلك الخلافات والنعرات، والتذكير بها، في محاولة لتوسيع فجوة الخلاف وتعميق الجراح التي طواها الزمن.
جماعة الإخوان والإسلام السياسي كانوا الأوائل والسباقين لاستخدام خطاب الكراهية والفجور في الخصومة، وتحشيد أنصارهم، وأتباعهم لنشر تلك الفتن، ونقل واستخدام خطاب الكراهية، كمنهج متعمد في سياسة الفضائيات التي تمول من طرف الإخوان، وأتباعهم خاصة خارج ليبيا.
ويفعل هذا «الإخوان» لأنهم مستميتون على السلطة، وهم لا يريدون أن تفلت ليبيا من أيديهم، لأنها بيت المال الذي لا ينضب لتمويل مشروعاتهم الشيطانية، وتدمير الدولة الوطنية، والتآمر ضد الدول العربية.
الليبيون شعب في أصله طيب مسالم، متعايش حتى مع الآخر، كما أن الليبيين شعب متجانس العرق والدين وحتى المذهب، في أغلبه، وبالتالي لا يمكن أن تؤثر فيه خطابات الكراهية والتحريض التي أنفق عليها أصحاب الكراهية الملايين، لأجل تحقيق شقاق وفتنة بين المكون الليبي، والمعالجة الناجعة لخطاب الكراهية هي إماطة اللثام عن الباطل والأذى، وهو ما يميته وينهيه في مهده ويعطب مكنة إعلام الكراهية.
التساؤل الآن موجهٌ للشعب الليبي عامة: هل ستستعيدون دولتكم من هذه الجماعة، التي أتت تحت جنح الظلام، وتمكنت من الاستيلاء على مصرفكم المركزي، وتمركزت في أماكن القرار، ونهبت أموالكم، وجعلت أرضكم مسرحاً لصراع دولي؟ ننتظر الإجابة في الانتخابات المقبلة.