بقلم - جبريل العبيدي
القذافي كان حاكماً ديكتاتورياً ووصف بـ«الطاغية» ولا يزال شخصية جدلية حياً وميتاً، وكثيراً ما يصفه البعض بأحد سكان الأدغال وأنه يتصرف بغرابة، بل قال أحد الكتاب العرب واصفاً زمن القذافي: «إنه يقاتل في بقاع لا يعرف أسماءها، وأدغال لا يعرف أهلها» متناسياً الكاتب العربي والذي عمل في زمن القذافي وفي صحف القذافي أن للقذافي مساجد ومدارس بناها في أدغال أفريقيا لا تزال تصدح «الله أكبر» من خلال جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (والتي مؤسسها القذافي مقرها ليبيا) حيث أنشئت عام 1970 ولا تزال تعمل وتنشط في مجال الدعوة الإسلامية وبناء المساجد والمدارس إلى يومنا هذا، وينسب لها في عهد القذافي أنها بنت قرابة ألف مسجد ومدرسة ومشروع حفر آبار مياه في «أدغال» أفريقيا، بل إن مشروع النهر الصناعي الذي جلب المياه العذبة من الصحراء الليبية إلى الشمال في أكبر وأطول أنبوب بقطر أربعة أمتار وطول تجاوز في مجموعه أربعة آلاف كيلومتر، والذي وصفه الجيولوجيون بأنه من أهم وأكبر المشاريع لحل أزمة المياه في العالم، ولا تزال مياهه العذبة تتدفق بغزارة من الصحراء الكبرى في ليبيا إلى الشمال الليبي منذ أكثر من ثلاثين عاماً حتى الآن، ما يؤكد أن القذافي ترك أثراً في ليبيا بخاصة وأفريقيا بعامة ولو بسقاية العطشى الماء، فكيف وامرأة طاغية دخلت الجنة لكونها سقت كلباً يلهث جغمة ماء كما جاء في الأثر، فما بالك من سقى أمة كاملة الماء، والله أعلم.
القذافي لم يكن فقط في أدغال أفريقيا، بل هو ممن ساهم في إعلان الاتحاد الأفريقي، والذي أعلن في سرت الليبية بتاريخ اختاره القذافي كعادته 9/9/99 يوم التاسع من سبتمبر (أيلول) عام 1999 فالقذافي كان صاحب مشروع «الولايات المتحدة الأفريقية» وصاحب فكرة الدينار الأفريقي، ولهذا العديد من علامات الاستفهام حول مقتل القذافي وأنه كان حكم إعدام مسبق الإصرار والترصد للتخلص من القذافي وامتداد نفوذه في أفريقيا عامة وليس فقط «أدغالها»، وفقدان الفرنسيين لنفوذهم فيها رغم التاريخ الاستعماري الطويل.
سخر البعض من سرد القذافي نقلاً عن طبيب أمراض النساء «المرأة تحيض والرجل لا يحيض...» رغم أن القذافي كان ينقل عن شرح الطبيب، ولكن ما لم يفهمه الساخرون منه هو أن القذافي كان يعارض انتهاك القيم المجتمعية باسم (الحرية) فالقذافي وإن استند على بديهيات فسيولوجية شرحها طبيب إلا أنها تعتبر تأكيداً واضحاً على رفض القذافي انتهاك حق المرأة في أن تحافظ على كونها أنثى بيولوجياً وتراعى في توظيفها والدليل أن القذافي منح أطول إجازة للحامل ومنح المرضعة إجازة رضاعة بل ومنحها ساعات رضاعة منصوصا عليها في القانون الليبي بشكل واضح وصريح، بل وحق الرجل في البقاء ذكراً من دون إجباره على التحول باسم (الحرية) بينما القذافي اتفقت أو اختلفت معه، فهو منح المرأة (التي تحيض) حق الانتخاب.
كانت بعض النخب الدينية تهرع للقذافي وهو قوي، وعندما حدثت فتنة (الربيع) العربي، وقفوا ضده مكفرين ولاعنين، أليس هذا نفاق النفاق.
مقالي ليس إطراء في مناقب القذافي، فلست من مناصريه ولا من حوارييه حياً لأكون كذلك وهو ميت، فالقذافي كان حاكماً ديكتاتوريا ولا نختلف حول هذا، ولكن الخلاف مع طباع القذافي الغريبة لا يمنع من إنصاف الرجل الذي أفضى إلى ربه من المتقولين عليه حياً وميتاً، من باب الإنصاف.
فالقذافي الذي شغل العالم بطبعه المخالف وطريقته الغريبة في الخطاب والملبس وتحطيم البروتوكول السياسي وإحراج ضيفه ومضيفيه معاً، إلا أن الرجل أي القذافي حقيقة تعرض للتقول عليه لدرجة أن البعض نسبه «لليهود» نسباً ونسج الخيال وأطلق العنان لنظرية «يهودية» أصل القذافي والتي استند فيها على أوراق زعم ناشرها أنها مفقودة من الموساد الإسرائيلي نشرها في كتاب بعنوان (Taxi papers) لجاك تيلور وهو الاسم المستعار لكاتب أميركي، لم يمتلك الشجاعة للتعريف باسمه الحقيقي، أكذوبة سرعان ما دحضها فحص DNA حين مقتله وأجرته المخابرات الأميركية نفسها.
ولكن سيبقى جدل آخر حول من قتل القذافي؟ وأين أخفي جثمانه؟ إنه سؤال بلا إجابة وعائق أمام المصالحة الوطنية في ليبيا، لغموض مقتله، بين إعدامه ومقتله متأثراً بجراحه، في 20 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2011 بعد أسره حياً، كما أظهرت الفيديوهات المسجلة لعملية أسره بعد ضرب موكبه الهارب من جحيم سرت متجهاً نحو وادي جارف، فتعرض لضربات طيران الناتو كما جاء في اعترافات كبير حراسه المرافق له.
شركاء مقتل القذافي كثر وفق روايات متعددة ومنها ما جاء في الصحيفة الإيطالية «كوريري دلا سيرا»، والتي قالت إن القذافي لقي مصرعه على يد جاسوس «فرنسي» تسلل إلى كتائب «الثوار» وقتل القذافي بناءً على تعليمات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كانت تربطه بالقذافي ملفات سوداء كان يريد التخلص منها بمقتل القذافي، ومنها تمويل حملته الانتخابية.
غموض مقتل القذافي وابنه في ظل مطالبات خجولة جداً ممن يتمسحون بعباءة العدالة وحقوق الإنسان، الأمر الذي يجعلهم شركاء الصمت في مقتل القذافي وابنه في مهرجان القتل الذي أقامه هؤلاء المقاتلون، ما تسبب في انطلاق أيديهم في المزيد من القتل وإقامة المهرجانات له طالما هم في مأمن من العقاب وبهم تحولت ليبيا إلى مكب من الجثث.