انتقام وثأر

انتقام... وثأر!

انتقام... وثأر!

 العرب اليوم -

انتقام وثأر

بقلم - حسين شبكشي

وسط الانشغال المستحق والكبير من دول العالم أجمع من دون أي استثناء بتطورات وأخبار تفشي جائحة «كوفيد – 19» المتتابعة والمتلاحقة، فات على الكثير التركيز وبشكل مكثف على الانقلاب المالي والاقتصادي الذي تقوم به الولايات المتحدة لمواجهة تبعات وتداعيات الوضع الاقتصادي المتردي نتاج الجائحة المذكورة.
ففي خلال فترة لا تتجاوز السبعة أشهر فقط قامت الحكومة الأميركية بتقديم حزمة معونات اقتصادية تجاوزت الستة تريليونات دولار أميركي، وذلك لأجل إنقاذ الاقتصاد الأميركي بأسرع وتيرة ممكنة. تولدت في دوائر صناعة القرار في الدولة الأميركية قناعة عميقة ومتكاملة أن فيروس كورونا هو فيروس تم تصنيعه مختبرياً، وأنه «تم تسريبه» وإخفاء أمره لمدة كافية للغاية لكي يقع أقصى أنواع الضرر الممكن في الولايات المتحدة واقتصادها. بينما الوضع في الصين كان على العكس تماماً لأن الصين «استعدت»، فبقي الفيروس معزولاً ومسيطراً عليه في مدينة ووهان بشكل حصري إلى درجة كبيرة جداً، مما مكن الصين من التحكم في الوضع والخروج من الأزمة، بل وتحقيق نمو اقتصادي في سنة دفع فيها ثمن المعاناة الاقتصادية جميع دول العالم.
تستخدم الولايات المتحدة لإنجاز خطتها التحفيزية المنشودة هذه أسلوباً انقلابياً وثورياً على قواعد وأسس الاقتصاد التقليدية، لأنها تعتبر الدين هو المحفز الأول لذلك التحدي ومن خلال ذلك، بالتالي لا تعتبر الدين كمفهوم يهدد بأي شكل الميزان المالي لها. معجزة الولايات المتحدة الاقتصادية أنها مجتمع مستهلك بامتياز. فالسوق الأميركية بأكملها تستهلك أكثر من 86 في المائة من إنتاجها القومي، وبالتالي لا يتبقى للتصدير إلى دول العالم سوى 14 في المائة. ولأن الولايات المتحدة تعتبر سوقها و«المستهلكين» فيه هم الشرارة التي تشعل محركات الإنتاج الاقتصادية، فهي بالتالي حريصة جداً على تقديم كافة المغريات التمويلية، وتسهيل القروض بشكل غير تقليدي، وإبقاء نسب الفائدة المئوية متدنية بشكل جذاب للغاية. كل ذلك لإبقاء الماكينة الإنتاجية للاستهلاك المحلي تعمل بكل طاقتها. وعندما بدأت موجة الاقتصاديات الآسيوية تتشكل وتقوى، وبدأت معها خارطة المنتجات الاقتصادية يعاد تشكيلها، «ضحت» الولايات المتحدة بحصصها التصنيعية في السيارات والأحذية الرياضية والملابس وغيرها من المنتجات التقليدية، في سبيل أن تظل العملة المهيمنة والمسيطرة على التبادل التجاري العالمي الدولار الأميركي، وأن تشتري الدول الآسيوية سندات الخزينة الأميركية مقابل «فتح» الأسواق الأميركية المغرية لجميع منتجاتهم. وشراؤهم لهذه السندات عبر السنين الطويلة الماضية هو الذي مكن الولايات المتحدة اليوم من تقديم الحزمة الاقتصادية التاريخية اليوم.
ولم تكتف أميركا بذلك، بل إنها منذ 15 سنة غيرت قواعد اللعبة تماماً، فأطلقت قطاعاً اقتصادياً جديداً تماماً؛ قطاعاً افتراضياً تماماً لا ينتج أي شيء تقليدي ملموس. إنه الاقتصاد الرقمي الجديد الذي تتسيده اليوم بشكل قطعي الشركات والتقنية الأميركية الداعمة لها. وأكبر ثلاث شركات في هذا القطاع الاقتصادي الجديد (أمازون وأبل وغوغل) تتجاوز قيمة كل من هذه الشركات مبلغ التريليون دولار.
هذا من دون التطرق إلى شركات كبرى أخرى لا تقل أهمية مثل «مايكروسوفت» أو «فيسبوك» وغيرهما بالطبع. مع عدم إغفال القطاع الصيدلي الذي يبرز فيه اسما الشركتين الأميركيتين «فايزر» و«موديرنا» اللتين تتصديان لمشاهد وتحدي لقاحات «كورونا». تخطت معدلات اللقاح اليومية في الولايات المتحدة المليون ونصف المليون جرعة في اليوم، وهي في طريقها للوصول إلى ثلاثة ملايين جرعة لقاح يومياً، تم توجيه الصيدليات والمدارس والملاعب الرياضية الكبرى لتكون مواقع يقدم فيها اللقاح للناس.
الولايات المتحدة سخرت قانون الحرب لإعطائها الأولوية للحصول على اللقاح، ووضعت الآن خطة مؤسساتية ممنهجة للتعامل مع الفيروس، والأرقام بدأت في الاستجابة، ومنحنى العدوى تم كسره نزولاً. أميركا تريد قيادة العالم في العودة القوية والمؤثرة.
استقرار أميركا الصحي وبالتالي الاقتصادي، سيكون لصالح الحراك الاقتصادي العالمي. ولكن سيكون مثيراً ومهماً مراقبة شكل ونوعية الرد الأميركي على الصين.
الصراع على الكعكة العالمية الاقتصادية له أدوات متعددة وجديدة ومختلفة، ولكنه صراع بين منظومة اقتصادية جديدة ومنظومة تقليدية في نهاية المطاف.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتقام وثأر انتقام وثأر



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab