بقلم - حسين شبكشي
في ظل الظروف الحالية التي يمر بها كوكب الأرض، وتداعيات أزمة «كوفيد - 19» يزداد الحديث عن نظريات المؤامرة بشكل درامي؛ نظراً لأن المناخ العام في العالم اليوم هو ما يمكن أن يطلق عليه العاصفة المثالية، لأن الحدة في الخطاب الإعلامي التي توصف بالقطبية المتشددة هي نموذج للتطرف في الرأي والرأي الآخر، الذي يتسم به المشهد السياسي بشكل عام.
فهناك من يعتقد بوجود غموض شديد في المعلومات بصورة عامة، وتحديداً المتعلق منها بإحصائيات المرض من وفيات وإصابات الناس منهم، بالإضافة إلى الاعتقاد المتزايد بأن الحكومات تخفي من البيانات أكثر مما تفصح به، وذلك بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على انطلاق الجائحة وآثارها في العالم.
وأبرز النظريات المتعلقة فكرة المؤامرة فيما يخص جائحة «كوفيد - 19»، تدور حول رجل الأعمال المعروف بيل غيتس واستفادته المتوقعة من جراء اللقاح المنتظر، والذي يروج له بشكل مركز منذ اندلاع الأزمة الصحية العالمية، وخصوصاً أن له تحذيرات قديمة عن أهمية الاستعداد للقاحات العالمية لأوبئة جديدة وفتاكة لم يسبق للعالم أن تعامل مع مثيلاتها من قبل، وقد امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المختلفة على شبكة الإنترنت، الكثير من المقالات والأفلام المصورة التي تتحدث عن أهداف بيل غيتس القديمة، والمتعلقة بالرغبة في السيطرة على تعداد سكان العالم وصحته بشكل خاص والبنية، هذه المعلومات على أرضية الغموض والخوف التي تملأ العالم هذه الأيام بسبب تداعيات «كوفيد - 19» المقلقة والمثيرة الخوف، ولم تكن نظرية المؤامرة المتعلقة بأهداف رجل الأعمال الأميركي غيتس هذا هي الوحيدة التي يروج لها، ولكن هناك أيضاً النظرية التي تروج لفكرة العالميين، وهي مجموعة قديمة تنادي بحكومة موحدة للعالم بنظام سياسي وصحي واقتصادي واحد بعملة واحدة، وإدارة واحدة. وقد غطى هذه الفكرة بشكل معمق ومفيد الكاتب الأميركي كوين سلوبوديان في كتابه المثير والمهم بعنوان «العولميون... نهاية إمبراطورية وولادة النيوليبرالية»، وهم مجموعة تشكك دائماً في تحكم الدولة، وتقييد الحريات، وتدعو إلى تفكيك سيادة الدول لصالح منظومة عالمية موحدة. وهي فكرة قديمة لم تغب أبداً، ويعاد التركيز عليها كلما طرأت مشاكل وتحديات كبرى.
وتأخذ هذه الأطروحات أبعاداً أعمق وأهم وأخطر هذه السنة؛ وذلك بسبب حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية وسط انقسام سياسي غير مسبوق داخل أميركا وخارجها بين حلفائها وخصومها. وهناك كتاب مهم ولافت بعنوان «العقول الشركة»، الذي قام فيه مؤلفه الأميركي روب براذرتون، بتفنيد الأسباب النفسية وغير النفسية التي تجعل الناس تصدق وتؤمن بنظريات المؤامرة بشكل عام، ليصل إلى قناعة بأن هناك علمَ نفس خاصاً بنظريات المؤامرة، ويضيف المؤلف، أن هناك بعداً تاريخياً في علاقة الإنسان بكل ما يجهل، وبالتالي يجعل اللجوء للتفسير المؤامراتي مسألة مريحة وسهلة. إلا أن هذا لا يعفي مسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية من قصور واضح في الشفافية المعلوماتية، والبيانات الدقيقة الخاصة بالحالة الصحية العالمية الحالية، تحديداً وبشكل عام في قضايا أخرى مرت على العالم، ساهمت في تكريس الغموض واللجوء بالتالي إلى تفسيرات غير تقليدية لفك طلاسم والغاز وغموض الموقف الحالي.
ومع كل غموض في تفسير السياسات والأحداث تزداد المساحة الممنوحة للتفسيرات الخاضعة لنظريات المؤامرة، وقد وضح ذلك بشكل جلي الكاتب الأميركي جيم مارس المتخصص في المنظمات السرية في كتابه الأكثر مبيعاً، والذي يحمل عنوان هو «الحكم بالسرية»، ويشرح فيه بإسهاب عميق في كيفية استخدام المعلومات الناقصة والأخبار المختصرة لتكوين سردية مختلفة وجديدة لترويج أفكار سياسية جديدة مؤثرة وفعَّالة؛ وذلك لأجل خلق أرضية جديدة تماماً تكون فيها تشريعات وقوانين ونظم لرعاية مصالح محددة لأصحاب نفوذ مميزين. وتعتبر التقنية الحديثة والمتمثلة في أجهزة الاتصالات المحمولة، وقنوات التواصل الاجتماعي، إحدى أهم الوسائل المؤثرة والفعال في توصيل نظرية المؤامرة إلى أعرض شريحة ممكنة حول العالم، فتصبح بالتالي الحقيقة البديلة عندما تغيب التفسيرات المقنعة والكاملة للأحداث الحاصلة على أرض الواقع، الإنسان العادي ليس غبياً وهو حينما لا يلقى من المعلومات الكاملة التي تحترم عقله، سيلجأ بالتالي إلى تفسيرات أخرى يسعى فيها إلى الحقيقة، وهذا هو التحدي القديم الجديد الذي لا يتوقف.
الجائحة لا تزال بيننا وبلا علاج أو ولقاح حتى الآن. حكومات كثيرة تستغل هذا الوضع لصالحها أو ضدها، وبالتالي تسييس المسألة، وستستمر على هذا النحو نظرية المؤامرة في الرواج حتى تنتهي الأزمة.