بقلم - حسين شبكشي
حادثة إرهابية جديدة في أوروبا. متطرف يقوم بقطع رأس معلم فرنسي احتجاجاً على قيام الأخير بعرض رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، سبق أن نشرتها المجلة الساخرة «شارلي إيبدو»، وذلك بهدف دراسة حرية التعبير. وجاءت هذه الحادثة بعد أيام قليلة جداً من التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الدين الإسلامي وردود الفعل المتباينة عليها. ففريق رأى أن الإسلام هو «المشكلة»، ليرد عليه فريق آخر بأن الإسلام هو «الحل». ومن الواضح أن الحقيقة تقع في منطقة أخرى تماماً. أسلوب التعامل مع الرسومات المسيئة بحق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يجب أن يكون عبر الدوائر القانونية، وعن طريق مؤسسات العمل المدني في الدول المعنية نفسها (وهذا تماماً ما نجحت في عمله المؤسسات اليهودية في إصدار قوانين عالمية تجرم معاداة السامية، وقد يبدو غريباً وصعب التصديق بالنسبة لأجيال اليوم أن اليهود كانوا أدوات تنمر وسخرية وازدراء من قبل المجتمعات الغربية حتى الستينات الميلادية).
إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يرد عليها بالذبح العلني ولا الخفي، فالرسول صلى الله عليه وسلم أهين وشتم وهو حي ولم يأمر بقتل شاتميه، وبقيت هذه الوقائع في كتاب الله تتلى ويصلى بها، ليعلمنا الله أن هناك حرية تعبير مكفولة، وأن الدعوة تبقى دائماً بالتي هي أحسن ولا بشيء غيرها.
لدى الإسلام السياسي مشكلة مهمة في تكوينه، فهو هرمي استبدادي في فكرة وجود سلطة عليا لا يمكن مساءلتها ولا محاسبتها، وهي سلطة المرشد الأعلى (بشقيها السني في جماعة «الإخوان المسلمين» والشيعي في ولاية الفقيه)، تتحكم في مسيرة أتباعها. والجدير بالذكر أن الخميني حينما أطلق فكرة ولاية الفقيه، بحسب إفادة أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإيرانية بعد الثورة، أفاد بأنه تأثر جداً بأفكار الفلاسفة الإغريق، خصوصاً أرسطو وأفلاطون، لا سيما في طرح الأخير للمدينة الفاضلة، ودور العلماء السامي فيها، ثم تأثر بفكرة البابا في الكنيسة الكاثوليكية وكيف أنه «ظل الله في الأرض»، وأن مجيئه إلى المنصب البابوي ما هو إلا «إرادة إلهية مطلقة»، وبعد ذلك تأثر بفكر سيد قطب، ودور المرشد في هرمية «الإخوان المسلمين»، وبعدها اكتملت في رأسه فكرة ولاية الفقيه فأعلنها على الملأ، وها هي إيران تحصد ما زرعه المشروع الطائفي الثوري الانقلابي الطائفي.
وهناك تركيا التي تحاول منذ سنوات إطلاق مشروع خليط بين العثمانية والإخوانية السياسية، فتخوض في مشاريع توسعية في دول ودويلات على حساب نظامها المدني وعلى حساب اقتصادها وتنميتها وعملتها، التي كانت جميعاً مضرباً للأمثال حتى فترة قريبة. ولكن شيئاً ما يحدث وشيئاً ما يحصل؛ فقدت العملة التركية أكثر من 30 في المائة من قيمتها في فترة قصيرة، التصدير التركي متدنٍ جداً، والسياحة التركية متأزمة والبطالة في ازدياد.
حلفاء حلف الأطلسي يصطفون مع اليونان في مواجهة تركيا، الدولة وأجهزتها في أميركا قررت دعم اليونان عسكرياً ضد تركيا، واعتمدت لذلك بناء قاعدة عسكرية وصفقات سلاح حديثة. والأوروبيون ضاق ذرعهم بالأتراك سواء بسبب ملفات المهاجرين وحوادث الإرهاب، أو بسبب التقارب مع الروس والتسلح منهم. وهناك مؤشر آخر لافت هو ما أعلن في وكالة «بلومبرغ» الإخبارية مؤخراً عن الخروج «الكامل» لشركة إنترناشيونال بايبر عملاق صناعات الورق والكرتون بأنواعه من السوق التركية الكبيرة، بعد سنوات من الاستحواذ والنمو الاستراتيجي فيه. وهذه الشركة من الشركات المؤثرة في الاقتصاد الأميركي، وعادة ما يكون رئيس مجلس إدارتها ضمن أعضاء المجلس الاستشاري للرئيس الأميركي، وهي لا تأخذ قراراتها الدولية دون استشارات استخباراتية عليا.
شيء ما يحدث. شيء ما يحصل ويتم التحضير له. الدولة المدنية ودولة القانون، هي التي تحكم بين الناس لأن المرجعيات الأخرى تزيد من حدة القطبية ومساحتها في المجتمعات والنتائج السلبية المتلاحقة جراء ذلك. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «أنتم أدرى بأمور دنياكم» الحكمة كلها؛ لأن في هذا الحديث المفتاح للتعامل مع كل التحديات الدنيوية، وأولها وأخطرها الشأن السياسي.
تكريس العدل وترسية مفهوم القانون لإزالة مظاهر الظلم والقهر كفيلان بتحقيق السلم الأهلي: متى سمعتم عن إرهابي سنغافوري أو سويسري؟!