طبقية

طبقية!

طبقية!

 العرب اليوم -

طبقية

بقلم - حسين شبكشي

هل الشرُّ غريزة فطرية في الإنسان أم أنه مسألة مكتسبة؟
سؤال قديم حير الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع لسنوات طويلة جداً. والشر له أوجه متعددة ومختلفة مثل الكراهية والعنصرية والتنمر التي تفرزها المواقف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية بمختلف أشكالها وحدتها. والمتابع للمشاهد الملتهبة في كثير من المدن الأميركية نتيجة المشاكل العنصرية ضد الأميركان من أصول أفريقية يجد أنها حالة متصاعدة ومقلقة جداً، وسيكون لها تداعيات استثنائية جداً على ما يبدو.

وهذه المشكلة العنصرية ليست وليدة اللحظة، ولكنها إرث قديم وثقيل جدا أدى في لحظة زمنية معينة إلى قيام حرب أهلية مدمرة كادت تؤدي إلى تقسيم كبير بين الولايات الشمالية ومثيلاتها في الجنوب. ومنذ أشهر قليلة صدر كتاب في غاية الأهمية يغوص في أعماق هذا الموضوع المعقد من تأليف الكاتبة الصحافية الأميركية إيزابيل ويلكيرسون الحائزة جائزة «بوليتزر» العريقة للصحافة، والكتاب جاء بعنوان «الطبقية: أصول خلافاتنا». الشيء اللافت للنظر أن المؤلفة لم تستخدم في كتابها قط لفظ العنصرية، لأنها تناولت الموضوع من وجهة نظر تقسيم مجتمعي تعامل مع الشق العنصري بأنه تمييز طبقي بامتياز، وأبرزت الجوانب المؤيدة لنظريتها في الشؤون السياسية والاقتصادية والتشريعية والتعليمية بشكل مدهش ومقنع للغاية. وإذا أخذنا هذا التفسير الجديد والمختلف والصادم لمسألة العنصرية، فسيكون من الممكن تفسير كثير من المواقف السلبية والبغيضة حول العالم. ستبرز لنا مواقف تفسر نفسها «ذاتياً» مثل حالة جنوب أفريقيا التي كانت المثل الأشهر للطبقية، وقد أظهر ذلك بشكل جلي ومؤلم الروائي الجنوب أفريقي الأشهر آلان باتون الذي أبرز تلك الطبقية البغيضة في روايته الخالدة «ابكي يا أرضي المحبوبة» وتوسع في الفكرة نفسها في رواية أخرى بعنوان «آه ولكن بلادكم جميلة»، وهذا المناخ هو الذي تمخض عنه نيلسون مانديلا، وهو الذي قضى 27 عاماً في زنزانة انفرادية وعند خروجه لتسلم رئاسة البلاد لم يخرج منتقماً وغاضباً، بل طبق النهج المحمدي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام بتنفيذ عملي لفكرة اذهبوا فأنتم الطلقاء.
اختار مانديلا السلم الأهلي والسلام. عكس الخميني مثلاً الذي جاء إلى إيران عبر ثورة شعبية، وحضرت معه دوافع انتقامية شديدة ضد النظام السابق وعنصرية بغيضة بحق العراق العربي وسائر دول الخليج العربي، التي تعدى عليها بشتى الأشكال تحت شعار خبيث هو «تصدير الثورة»، وكانت من أسوأ تبعيات هذه الدوافع الخمينية دخوله في حرب مدمرة مع عراق صدام حسين، استمرت لفترة تجاوزت الثماني سنوات، وعندما عرض على الخميني مشروع وقف إطلاق النار بين البلدين وإعلان السلام، علق قائلاً «إنه يتجرع ذلك الأمر مثل تجرعه لكأس السم».
قبل نيلسون مانديلا كان المهاتما غاندي يقاوم وبسلمية آسرة آفة الاستعمار البريطاني من جهة، وآفة الطبقية المقننة باسم الدين الهندوسي في المجتمع الهندي، وهي معركة ملتهبة على جبهتين في آن واحد، ولكنه تمكن من تأسيس دستور مدني يساوي بين الجميع أقره تلميذه رئيس الوزراء الأول للهند بعد الاستقلال جواهر لال نهرو. يعتبر علماء السياسة كتاب «الأوراق الفيدرالية» هو المرجعية الأساسية لفهم مقاصد الآباء المؤسسين للجمهورية في أميركا، والتي أدت الحوارات بينهم بعد ذلك إلى كتابة الدستور الأميركي الباهر والمميز. ويبرز في هذا الكتاب رأي أليكساندر هاميلتون المثير للجدل والذي يقول فيه: «إن الغاية الأساسية للدستور يجب أن تكون حماية البلاد ليس من طغيان الحاكم فحسب، ولكن الأهم حماية البلاد من طغيان الأغلبية»، فالأغلبية ممكن أن «تخطئ» باختيارها، وعليه فمن الضروري أن يكون الدستور والنظام النابع منه قادرين على إصلاح هذا الخطأ المقصود بالقانون.
إيزابيل ويلكيرسون تمكنت في كتابها الأخير من ربط نظام الطبقية الموجود في أميركا بألمانيا النازية والهند (أصل العرق الآري) لتثبت أن العنصرية أساس الكراهية، وأنها أشبه بالفيروس العابر للقارات والثقافات والحدود والأديان، وهي أصل الشر ومع الإنسان منذ بداية التاريخ. هناك من ينكر وجود العنصرية أو على أقل تقدير يتعامل معها بقفازات من حرير وريش نعام، وهناك من يعترف بالمشكلة ويواجهها. وما يحدث في أميركا هذه الأيام مثير للاهتمام، لأن التاريخ أكد لنا أن ما يحدث فيها عادة لا يبقى داخل حدودها.  
arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبقية طبقية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab