لكل مسألة وجهة نظر أخرى

لكل مسألة وجهة نظر أخرى!

لكل مسألة وجهة نظر أخرى!

 العرب اليوم -

لكل مسألة وجهة نظر أخرى

بقلم: حسين شبكشي

حصلت سابقة مهمة خلال زيارة مسؤول الكنيسة الكاثوليكية الأول البابا فرنسيس إلى كندا، واعتذاره المفصل العريض عن جرائم مرعبة حصلت في المدارس الكاثوليكية هناك بحق السكان الأصليين، تسبب فيها قساوسة ورهبان من أتباع الكنيسة. وفتح هذا الاعتذار باب النقاش المحتدم عن إمكانية الاعتذار في حالات أخرى لا تقل أهمية أبداً. فهل تعتذر بريطانيا عن الجرائم التي ارتُكبت جراء استعمارها لسكان أميركا وأستراليا الأصليين، وما حدث من إبادة ممنهجة بحقهم؟ والاعتذار البريطاني مطلوب أيضاً لسكان أفريقيا وشبه القارة الهندية وأجزاء من الصين، وما ينطبق على أهمية الاعتذار البريطاني ينطبق أيضاً على نماذج الاستعمار الفرنسي والبلجيكي والإسباني والإيطالي والهولندي والبرتغالي والألماني، بحق سكان أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا. وطبعاً ينطبق هذا الكلام أيضاً على اليابان والصين اللتين كان لهما تاريخ استعماري مؤلم، عانت منه شعوب كثيرة في آسيا.

كل ذلك يصبح ممكناً ومقنعاً حينما تنصت جيداً لوجهة نظر أخرى من الطرف الأضعف المغيب صوته تماماً. وحصل لي موقف خلال معارك الصرب الدموية الفظيعة ضد شعب البوسنة والهرسك التي وُصفت بحرب إبادة ممنهجة، عندما التقيت مع رجل أعمال صربي قومي، وقال لي: «نحن بالنسبة لنا نخوض حرباً لتحرير أرضنا من المستعمر العثماني التركي منذ مئات السنين». وقلت له: لكنهم باتوا أمراً واقعاً، فأضاف: «من المهم أن تسمع وجهة نظر غير تلك التي تسيطر عليك». وهو المنطق نفسه الذي يستخدمه الهندوس القوميون في الهند في خطابهم المتطرف ضد المسلمين.
الرسالة الواضحة في كل هذه السجالات هي أن هناك دائماً وجهة نظر أخرى غير تقليدية وغير دارجة، من المهم الاطلاع عليها والإنصات لها من باب تقييم أي مسألة بشكل متكامل.
تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ الكتاب المختلف الذي صدر مؤخراً، وأصبح أحد أهم وأكثر الكتب مبيعاً، ويحمل عنواناً لافتاً ومثيراً للغاية، وهو «الحرب على الغرب... كيف تنفذ في زمن اللامنطق» للكاتب دوغلاس موراي الذي يتبنى فكرة أن هناك هجمة شرسة وهمجية ضد كل شيء غربي، وأن هناك إعادة قراءة للتاريخ يتم فيها إلقاء اللوم وتوجيه أصابع الاتهام إلى الغرب، وتحميله مسؤولية كل شيء سيئ.
ويضيف الكاتب أنه لو كان تاريخ البشرية محصوراً في العبودية، والاستعمار، والعنصرية، والإبادة، والاستغلال، فلماذا تلام دول الغرب فقط على كل ذلك؟ ويفند المؤلف الأساليب والطرق التي جعلت كثيرين من أصحاب النيات الطيبة ينزلقون ويسقطون في الاستقطاب الحاد، نتيجة أكاذيب صريحة، ويظهر كيف أصبحت أهم الحوارات في أميركا وأوروبا مخطوفة من قبل الأصوات المتطرفة التي من تطرفها أصبحت لا ترى في الغرب إلا كل شر، متناسية ومتجاهلة تماماً ما قدمه الغرب من حريات وأفكار ونظم وعلوم وحضارة وآداب وطب وفنون وعمارة.
ويسبح الكاتب دوغلاس موراي ضد التيار منفرداً ووحيداً، وهو يحاول تفنيد الحملات الممنهجة لشيطنة الغرب، وتحميله مسؤولية خطايا وذنوب وجرائم البشرية كافة، رغم كون الغرب ليس وحده المتهم ولا المدان في تلك الجرائم، كما يظهر لنا التاريخ بوضوح شديد جداً.
ومع تطرف اليسار الحالي تزداد هذه الحملات قوة وشراسة، ويفقد الانتقاد موضوعيته، ويصبح ما يتم طرحه هو أقرب للانتقام أكثر منه بقصد الانتقاد، وشتان الفرق بين الاثنين. كتاب جريء ومهم يفتح الأعين إلى أهمية الاستماع لوجهتي النظر في أي موضوع، حتى لا يكون الحكم ناقصاً أو يصبح المتلقي أشبه بجزء من قطيع يتبع البقية من دون إدراك ولا تدبر، ولا يمكن أن يكون ذلك مفيداً.
أبحث دائماً عن وجهة النظر الأخرى قبل إصدار الرأي النهائي في أي مسألة... هكذا يعلمنا التاريخ.

arabstoday

GMT 04:44 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

بحر الكعبة

GMT 04:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

ما تحمله الجائزة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكل مسألة وجهة نظر أخرى لكل مسألة وجهة نظر أخرى



 العرب اليوم - هنية يؤكد أن أي اتفاق لا يضمن وقف الحرب في غزة "مرفوض"

GMT 00:37 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح
 العرب اليوم - أحمد عز مع سيد رجب للمرة الثانية على المسرح

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 00:29 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

نعم لغزة وفلسطين ولا للميليشيات

GMT 03:16 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

جولة في مطار بيروت لتفنيد تقرير تلغراف

GMT 06:07 2024 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

الأهلي يعلن فوزه في مباراة القمة رسميًا

GMT 15:54 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

غوغل تجلب الذكاء الاصطناعي إلى طلاب المدارس

GMT 14:45 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

أسماك القرش تُودي بحياة ممثل أميركي في هاواي

GMT 07:46 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

إصابة خطيرة لفارغا لاعب منتخب المجر في يورو 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab