ليبيا شبح اللحظات الأخيرة

ليبيا... شبح اللحظات الأخيرة

ليبيا... شبح اللحظات الأخيرة

 العرب اليوم -

ليبيا شبح اللحظات الأخيرة

بقلم - حسين شبكشي

كانت الجلسة صاخبة، والأجواء تبحث عن نسيم، كان ليلاً حاراً بوسط القاهرة في ذلك المقهى الشهير، جمعتنا المصادفة بنخبة من الأدباء والشعراء السودانيين، بعضهم جاء في أعقاب حرب أبريل (نيسان)، وبعضهم كان مقيماً في مصر منذ سنوات، لا حديث يعلو فوق صوت الحرب السودانية.

الخوف على المستقبل، رافقنا طوال الجلسة، لم يكن أحد منا يملك يقين الاستشراف إلى ماذا ستفضي هذه الحرب.

تحدثنا طويلاً عن آفاق المشهد السوداني، لفَّ الصمت جلستنا للحظات، حتى قطعها أحدهم قائلاً: أخاف كل الخوف أن تمتد الحرب، وتدخل في دوامة الحروب الطويلة، مثلما الحال في ليبيا.

قلت له: بالفعل أنت محق، فالأزمة الليبية دخلت عامها الثاني عشر، ولا تزال تنتقل من مرحلة إلى أخرى، كأنها دوامة لا تنتهي، لكن إذا كنت تريد أن أحدثك عن الأوضاع الليبية، فدعني أتأمل في اجتماع لجنة «6 + 6» المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا، التي جرت في الفترة من 22 مايو (أيار) إلى 6 يونيو (حزيران) الحالي بمدينة بوزنيقة المغربية، لأجد نفسي متفائلاً بهذه المحاولات التوافقية، لاستكشاف مساحات جديدة تقود إلى إخراج ليبيا من حالة المراوحة، بين اللاسلم واللاحرب.

هذه المرة ربما لا تشبه المحاولات السابقة، فثمة مؤشرات تقول إنَّ هناك فرصة أكبر، ولمسنا ذلك في تصريحات وأحاديث رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وأيضاً في تصريحات وأحاديث رئيس مجلس الدولة خالد المشري، بشأن أهمية التوافق على القوانين الانتخابية المنظمة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

هذا التوافق بين طرفي إعداد الاستحقاق الانتخابي، أحدث حراكاً كبيراً في الداخل والخارج، فقد وجد قبولاً واسعاً في الداخل الليبي، وترحيباً قوياً من دول الجوار، والمحيط العربي، والمجتمع الدولي.

قاطعني محدثي متسائلاً: ما ضمانات عدم تكرار الاختلاف في اللحظات الأخيرة؟

قلت له: سؤالك منطقي... الاختلافات في اللحظة الأخيرة واردة في العمل السياسي بنسبة كبيرة، وبالمناسبة ليست جديدة على خرائطنا العربية، منذ ما يسمى الربيع العربي، وأذكرك بأنه حتى لديكم في السودان كان الاتفاق الإطاري قاب قوسين أو أدنى من التوقيع، لكن هذا الاتفاق تمزق في فجر الخامس عشر من أبريل، ودخل السودان دوامة جديدة، وكذلك الحال في ليبيا، فلو استعدنا سنوات العقد الماضي فيها، فسنكتشف حالات نكوص سياسية عديدة.

ففي اللحظات الأخيرة لمبادرات واتفاقيات دولية ومحلية كادت تنجح، توقفت فجأة، وعادت إلى نقطة الصفر، جراء مستجدات واختلاف في وجهات النظر، وتغيير في الحسابات التي تفرضها ظروف اللحظة، وموازين القوى الداخلية، والضغوط الخارجية.

وفي كل مرة تزداد الخسائر، ويتَّسع الشقاق السياسي بين الأطراف الفاعلة على المسرح الليبي، وينتهي بنا المطاف إلى حلقة مفرغة، كأن هناك من يريد عدم خروج ليبيا من هذه الدوامة، فدعني أؤكد لك أن ليبيا دولة كبيرة، ولها أهميتها التاريخية والجغرافية، وغنية بمواردها الطبيعية والبشرية، فضلاً عن أنها على مر التاريخ محط أنظار سباق دولي وعالمي، وتزداد أهميتها الآن باعتبارها ركناً من أركان الطاقة في توقيت يشهد فيه العالم أزمة طاقة كبرى، نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية.

الآن، إذا نظرنا بعين وازنة لما يحدث في أفريقيا، خصوصاً التحديات التي خلقتها الحرب السودانية، فسنجد أن هناك ضرورة قصوى لعدم اتساع دائرة التأزيم، لا سيما أن الحرب السودانية مفتوحة، وتداعياتها ستطال دول الجوار، وسيكون لها تأثير عميق، اقتصادياً واجتماعياً، يصل إلى تهديد الأمن القومي العربي والأفريقي، ومن ثم فقد بات التوصل إلى حلول سريعة للأزمة الليبية أمراً حتمياً، وأعتقد أن الأطراف السياسية لديها إدراك كامل لهذه المخاوف والمخاطر، وبالتالي فإن التوافق على مخرجات اللجنة المشتركة (6 + 6)، يمكن البناء عليه للوصول إلى محطة الاستقرار التي طال انتظارها من كل أطياف الشعب الليبي.

لكن الوصول إلى هذه المحطة يتطلب عدة مسارات على كل الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية.

ففيما يتعلق بالوضع الداخلي، تحتاج ليبيا إلى استعادة الثقة المفقودة منذ عام 2011 بين جميع التيارات السياسية والاجتماعية، والإيمان الكامل بأهمية بناء المؤسسات الوطنية الليبية تحت راية واحدة، وإخراج المرتزقة، والجماعات الإرهابية، والقوات الأجنبية، من الأراضي الليبية، والتخلي عن لغة الجهوية، والمناطقية التي من شأنها تعميق الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، فضلاً عن ضرورة السمو السياسي، وإعلاء المصلحة العليا للوطن فوق أي مصالح شخصية، أو حزبية، أو مناطقية، انطلاقاً من أن وجود الدولة القوية هو الحماية الحقيقية لكل مصالح الجميع.

أما على الصعيدين العربي والإقليمي، فليبيا تحتاج إلى دعم واضح وقاطع للأجندة الوطنية، من أجل عدم تعميق الانقسام والاستقطاب السياسي، وأرى أن الدول العربية تؤمن بضرورة استعادة الدولة الليبية لاستقرارها، وهويتها الوطنية، وتجلى ذلك في ترحيبها الكامل وغير المشروط بثمار لجنة «6 + 6».

وعلى الصعيد الدولي، فقد لاحظنا إدراكاً مزداداً من المجتمع الدولي بأهمية استقرار ليبيا للمعادلة الدولية التي باتت مهددة بنقص الطاقة، وكابوس الهجرة غير الشرعية، وتسلل الجماعات الإرهابية، وهنا يحتاج المجتمع الدولي إلى مساحة مشتركة للتعاون من أجل ليبيا بدلاً من الصراع عليها.

أخيراً أقول إن اجتماع مدينة بوزنيقة يمثل ضوءاً في آخر النفق، يجب البناء عليه، حتى لا يطاردنا شبح التعثر في اللحظات الأخيرة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا شبح اللحظات الأخيرة ليبيا شبح اللحظات الأخيرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab