بقلم : د.محمد الرميحى
السؤال: هل كل ما تكتبه الصحافة العالمية عن الأوضاع العربية هو صحيح لا يدخله التدليس والمعلومات الخطأ أو حتى التوجيه؟ أم هل ما تبثه المنابر الشخصية والشخصانية المنتشرة في العالم الرقمي له وقع في آذان الجمهور العربي؟ إن كان الجواب بنعم، فعلى من يعتقد ذلك أن يراجع نفسه وينظر بعين الناقد الموضوعي إلى ما تنقله تلك الصحافة أو تلك المنابر. طبيعي أن ليس كل ما تنقله هو خطأ، ولكن الكثير منه لا يخلو من رسائل موجهة، وربما أيضاً من تضليل متعمد أو حتى من دس صريح وحقد لا يخفى.
ما نواجهه أن هناك بشراً بيننا يظنون أن كل ما يكتب في تلك الصحافة أو وسائل الإعلام أو المنابر الشخصية المنتشرة هو بالضرورة صحيح، والبعض يضيف إلى القصص من بنات أفكاره (وكثير منها منحرف) حتى يؤكد للقارئ أو المستمع ما يذهب إليه، ومنه ما هو فاحش ومقزز.
من ضمن القصص المنقولة ما يروى عن شخصيات أو عن دول خليجية من أخبار ملفقة، منها أخبار بين الدول، ومن بينها أخبار بين الشخصيات، بخاصة القيادات، من يحب من ومن يكره من! كأن الكاتب يعيش بينهم أو يعرف ما خفي من العلاقات، وبعضهم يدلل إلى ابتسامة هنا وتكشيرة هناك لإثبات وجهة نظره.
في عصر الإعلام الرقمي والقدرة المتاحة لأي شخص على أن يصيح على منبر منصة إعلامية، تكثر تلك الظاهرة، وبعضها، أو كثير منها يستخدم الابتزاز أو يهدد بترويج سمومه. هؤلاء شبه مغيبين لأن المتلقي هو أكثر نضجاً مما يعتقدون.
لماذا تُستهدف دول الخليج وقيادتها بالذات وعلاقتها بالدول المجاورة؟ السبب واضح، إنها في نظر هؤلاء تمثل مكاناً للابتزاز وتُستهدف بسبب نجاحها الاقتصادي من جانب الكثير من المتشفين والحاقدين المهاجمين.
الظواهر في هذا الإعلام الرقمي والمتسول كثيرة، ولكني أضرب مثالاً بشخصين، الأول يعيش في لندن العاصمة البريطانية، والثاني يعيش في هيوستن في الولايات المتحدة الأميركية، كلاهما يشتركان في عدد من الصفات، منها أنهما ينتميان إلى وطن عربي واحد يعاني الأمرّين في صراعه الداخلي، وثاني الصفات أنهما مرا في حياتهما العملية في إحدى دول الخليج وعرفا عن قرب الأوضاع الاقتصادية والتنموية التي يعيشها أبناء هذه المنطقة. ولولا عملهما في دول الخليج لما تسنّى لهما الوصول إلى الدول الغربية، والصفة الثالثة أنهما في وقت ما عملا (بكل ترحيب) في الصحافة الخليجية، ولم يستفيدا من تسامح هذه المجتمعات، أما الصفة الأخيرة التي تجمع بينهما فهي الوقاحة والصلافة في تناولهما شؤون الخليج وشخصياته واستخدام الشائعة في محاولة إقناع المستمع أو القارئ بصحة ما يقولان، في محاولة عبثية لاستجلاب التمويل!
الأول عندما يظهر كل أسبوع في برنامجه الشخصي على اليوتيوب فهو شكلاً يخيف الأطفال لأنه أقرب إلى البشاعة، أما ما يقوله فهو البشاعة نفسها أو يزيد، وفي كثير من المرات، حتى الحقائق المعروفة للجميع يحاول قلبها جهلاً أو عمداً. ترغب في أن تعرف ماذا يريد من تلك الإطلالة التي تخيف الأطفال فلا تعرف ماذا يريد! طبعاً غير شتم المسؤولين الخليجيين والحط من قدرهم واتهامهم بأبشع التهم، وفي الوقت نفسه الدفاع عن الدكتاتوريات وتعظيم أعمالها الشنيعة.
أما الآخر الذي يذيع برنامجه "الفج" من هيوستن، فيلبس في إطلالته ملابس مضحكة ويعتمر فيها غطاء رأس مضحكاً، هو أشبه بمهرج ويقول كلاماً يشبهه تماماً، ودأب على تدبيج الأكاذيب عن دول الخليج ومسؤوليها واختراع قصص لا يصدقها حتى المعتوهون.
النتيجة أن من يطلع على إنتاج هؤلاء، وهم قلة القلة، يصل إلى نتيجة مفادها أن من يمدحونه فهو بالتأكيد على خطأ، ومن يذمونه هو بالتأكيد على الطريق الصحيح، وهي الميزة النسبية في مجهودهم القائم على الفجاجة والسطحية.
هذا الصراخ التشهيري القادم من لندن وهيوستن وغيرهما تجاه دول وشخصيات في الخليج يدل إلى حالة مرضية صعبة ومتقدمة، وبجانب ما تحمله من فهم خطأ باعتبارها مؤثرة، هي حالة يُرثى لها صادرة من قلوب مريضة ومفلسة، تعتقد أن شخصاً ما أو دولة ما يمكن أن توظفها لتعمل كبوق لها، وهي محاولة عفّى عليها الزمن، فقد أصبح متاحاً في دول الخليج بناء منظومات إعلامية ومهنية تخاطب عقل المواطن العربي وعاطفته من دون التفات إلى ذلك النباح القادم من الخارج.
ربما لم يتعود "النباحون" أن يقال لهم إن نباحهم لا تأثير له، وقد آن الأوان ليعرفوا ذلك!