السودان وليبيا ليسا وحيدين

السودان وليبيا ليسا وحيدين!

السودان وليبيا ليسا وحيدين!

 العرب اليوم -

السودان وليبيا ليسا وحيدين

محمد الرميحي
بقلم : محمد الرميحي

غلب على الأخبار الساخنة الأسبوع الماضي والقادمة من كل من السودان وليبيا، تُرى ماذا يجمع الاثنين، طبعاً غير الحدود المشتركة وتنقل البشر بينها؟ عدد من المظاهر السياسية التي تبدو أن ليس لها حل في الأفق، وأيضاً ليست قاصرة على البلدين، فهناك أمراض سياسية في الجوار.
أولاً: كلا البلدان خرج من نظام حكم طويل قمعي وشبه آيديولوجي خسف بالبشر والموارد، وصل إلى السلطة نتيجة انقلاب عسكري. فنظام البشير الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود جعل من نفسه حاضنة للإرهاب من أجل «تحرير العالم» فاستضاف كل الأشرار من بن لادن إلى كارلوس، إلى غيرهما من المنظمات المتشددة والعابرة للأوطان، بل جعل أرضه منطلقاً للاعتداء على الآخرين حتى لو كانوا في آخر الأرض، واستطاب الشعارات المسكرة وقسّم البلد على أساسها، وخسر السودانيون الكثير من الوقت والفرص والأرض والموارد. مثل هذا النظام حتى لو انتهى شكلاً، إلا أن تركته ثقيلة وشبكة المصالح التي خلّفها تظل تفعل ناخرة في أي نظام قادم، وهذا ما ورثه ثوار السودان الذين ضاق بهم الأمر فقاوموا بأجسادهم ذلك النظام الظلامي، وما نراه من خلاف لبعض القوى السودانية في بعضه غير عقلاني إلا أن جزءاً منه نابع من ذلك النظام السابق، في الوقت نفسه، فإن النظام الليبي السابق تحت ذرائع مختلفة أيضاً استنزف القدرات المالية الليبية كما استنزف البشر، وترك ترسانة ضخمة من الأسلحة تحتاج كما يقول الخبراء إلى عقد من السنين فقط لجمعها، كما اشتبك مع القاصي والداني، وخاض حروباً عبثية في الجوار وما بعد الجوار، وكما النظام السوداني استضاف كل البنادق القابلة للتأجير وفجّرت له الأماكن وقتلت الرجال، كان واضحاً من جملة تصرفاته أنه منقطع عن العالم يعيش في وهم كما حال النظام السوداني. من هذا المنطلق خلّف النظامان عشوائية سياسية يتخبط فيها الورثة اليوم.
ثانياً: بعد الإطاحة بكل من نظام البشير والقذافي ظهرت قوى وجماعات وزعامات «تزكي نفسها»، أي self appointed أو تنصّب نفسها كزعمات تتسابق على الفوز بالغنيمة دون الاعتبار في الكثير من الأحيان إلى مصالح المجتمع ككل، فظهرت الطرفيات في ليبيا، أي أهل الشرق وأهل الغرب، وكل طرف منقسم إلى طرفيات أصغر منه، وبعضها مسلح وبعضها الآخر لم يتأخر في الالتحاق بالآخر الأجنبي ما دام يشد عضده ويحقق له مصالحه الضيقة. من هنا فإن أي توافق حدث في السودان انقلب عليه البعض تحت ذريعة أنه لم يحقق أهداف الثورة، وهكذا تبدد الكثير من الموارد ويتزايد عوز الناس وبؤسهم. معظم القوى السياسية الطافحة على السطحين السوداني والليبي اليوم لم يفوضها أحد بطريقة قانونية ودستورية للحديث عنه، كما تبعد الحكمة والمصالح الوطنية عن تصرفاتها السياسية. فالقول بإزاحة المكون العسكري السوداني عن الساحة كلياً وقطعياً هو مزايدة لا تلتفت إلى تاريخ السودان الحديث ولا إلى رغبات شرائح منه، فالمكون العسكري (رضينا أو لم نرضَ) هو الجسم الوحيد والمنظم في الساحة السودانية، بجانب الميليشيات المختلفة في الشرق والغرب والجنوب، وبشطبه كونه العمود الفِقري للدولة من المعادلة يعني ببساطة الدخول في الفوضى التي تجعل من السودان يتراجع أكثر من نصف قرن على الأقل، وتبدأ حروب المناطق وتتفتت الدولة. على الجانب الليبي، من الواضح أن الانتخابات المقررة دولياً في ديسمبر (كانون الأول) المقبل كأول طريق للخروج من المأزق، أمامها عقبات كبرى، فهناك قانون ينظم الانتخابات المقبلة لم يعترف ببعض نصوصه بعض الساسة، وهناك مرشحون من «الحرس القديم» يرغبون في إعادة الماضي الكئيب، وبدأت بعض القوى منذ الآن في التهديد باستخدام العنف ضد أي نتيجة انتخابية لا تناسبها!
ماذا يعني هذا التشابه بين المكانين سياسياً؟ في الغالب يعني أن الأنظمة السابقة، تحت ذرائع مختلفة سحقت سحقاً منقطع النظير عن طريق القمع الفظ أي تطور سياسي معقول أو هوامش للاختلاف مهما كانت ضيقة خلال سنين سيطرتها الطويلة، وهذا بالضبط ما حدث في العراق بعد سقوط النظام الشمولي والقمعي. لذلك؛ نجد اليوم في العراق من يحارب بشدة نتائج انتخابات جرت بشكل سلس حسب شهادات منظمات دولية محايدة، إلا أن من عاش تحت القمع يرغب في تكراره على الآخرين.
الدرس الذي يمكن استنتاجه، أن معضلات التطور السياسي في الكثير من البلدان العربية غارقة في بحر الفوضى؛ فالسياسة عندهم ليست تداولاً للسلطة والقبول بنتائج انتخابات ارتضوها كما هي في معظم دول العالم، بالنسبة لهم هي استحواذ من جهة، وإلحاق بآخرين من جهة أخرى عن طريق الصناديق إن حققتها، أو عن طريق البنادق إن لزم الأمر. هذا المشهد المظلم مع الأسف يلاحظ في أكثر من مكان عربي؛ فالهوية الوطنية والخير العام تم تصغيره لفترة زمنية طويلة من الأنظمة السابقة في سبيل أوهام، منها أوهام آيديولوجية بحكم العام، وأخرى بحرب الآخرين حتى آخر رصاصة. تلك الأوهام العابرة للأوطان خلّفت تشوهات من الصعب علاجها وتحتاج إلى الكثير من الشجاعة الممزوجة بالحكمة لإعلاء الخير العام وسيادته من جهة والتواضع أيضاً في تقدير القدرات والانسجام المتصالح مع العالم.
المجتمع الدولي (وهو مفهوم غامض) لا يأبه كثيراً في معظمه بما يحدث في عالمنا العربي، والدليل هو نتائج التصويت في مجلس الأمن، فتضارب المصالح بين الدول الكبرى يضيع المصالح الوطنية العربية ويدفع قطاع واسع من الشعوب التي ابتليت بزمن طويل من الارتباك والفوضى والعوز إلى سلوك طريق المهاجر الصعب والمليء بالأشواك، أو الانضمام إلى جماعات إرهابية تزيد من تعقيد المشهد ويلجأ بعضها إلى تأجير نفسة كبندقية للتصويب على أهله كما في لبنان واليمن. هذا هو المشهد الذي يتكون أمامنا بعيداً عن تفاصيل الأحداث والتي قد تشغل بعضنا عن تبيان الصورة الأكبر.
آخر الكلام:
الانقلابات العسكرية في بلاد العرب قطعت الطريق بعنف أمام الدولة المدنية الحديثة والعادلة، فقد تم سحق المؤسسات باسم «الزعيم» وأصبحت الطريق اليوم أكثر صعوبة أمام العديد من تلك الدول للعودة إلى تلك الطريق، ذاك لب الصراع القائم.

 

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان وليبيا ليسا وحيدين السودان وليبيا ليسا وحيدين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab