القطبة المخفية في الثقافة العربية

القطبة المخفية في الثقافة العربية!

القطبة المخفية في الثقافة العربية!

 العرب اليوم -

القطبة المخفية في الثقافة العربية

محمد الرميحي
بقلم -محمد الرميحي

الثقافة والتفكير الثقافي يقودان المجتمعات، إما إلى الفلاح أو الطلاح، ولعل ذلك ينطبق على الثقافة العربية، وخاصة الثقافة السياسية المعاصرة. في الذهن «علاقة الإسلام بالسياسة»، فمعظم المجتمع العربي هو مجتمع مسلم، وإلباس السياسة بالدين عملية جاذبة لجمهور واسع من الناس، إلا أن ذلك الإلباس «إن صح التعبير» قد قاد ويقود إلى طرق مسدودة في التنمية والمعاصرة، ومعظم «المعارك» الفكرية السياسية اليوم حولنا نابعة من ذلك اللبس «بين الدين والسياسة»! لا يحتاج القارئ إلى ضرب أمثلة، فهو يلمسها حوله، وإن تشكلت بصور مختلفة في مجتمعات مختلفة، إلا أن جوهرها واحد، ولم يشرع أحد في علاجها. في معظم الدول العربية أصبح تنظيم «الإخوان المسلمين» تنظيماً محظوراً، ذلك بسبب «شهيته الانقلابية» التي تبشر بسراب «الدولة الإسلامية الواحدة»! كما مرت دول مثل السودان ومصر وتونس «أذكر البعض فقط» في العقود الأخيرة بتجارب مريرة من حكم تلك الجماعات، وهي ما زالت تعاني حتى اليوم من نتائجها الكارثية، كما أن مجتمعات عربية أخرى غير قادرة على التخلص من تأثيره المباشر أو غير المباشر، وقد فرخ ذلك التوجه جماعات متشددة، منها «القاعدة» و«داعش» وأمثالهما، ما استنزف كثيراً من الطاقة والجهد، وضياع جهود التنمية. قد يجد البعض أن بعض أعضاء الجماعة «ذوي نوايا طيبة» يبتغون الإصلاح لما يرونه من أخطاء في نظرهم بالمجتمع المحلي، لكننا هنا بصدد «الآيديولوجية»، وليس نوايا الأفراد. يرغب بعضنا في وضع يده على «القطبة المخفية» في هذه المعضلة الثقافية - السياسية، فهو في الغالب في حيرة بين مقاصد الإسلام السامية، وأهمية الدين للإنسان، وبين تنظيم له مخطط آخر في الغالب خارج عن العصر، إنها معركة الثقافة العربية وربما الإسلامية الكبرى اليوم. القطبة المخفية هي العلاقة بين الإسلام الحركي - السياسي، وبين الإسلام الشعبي، إن صح التعبير، فالأول يتغذى على بحيرة هائلة من الإسلام الشعبي، ما يهيئ له أرضية في المدارس بدرجاتها المختلفة والجامعات، حتى المؤسسات الرسمية والإعلام بأشكاله وتنوعاته. صديق في ديوانية، وهو مربٍ وله اطلاع، حدثنا مرة عن «احتجاج ابنه المراهق على طريقة شربه للماء»، فقد همّ بتناول بعض الماء وهو خارج من المنزل، فنهره ابنه! عليك أن تجلس لتناول الماء! وعندما سأل؛ من علمك ذلك؟ قال المدرس في المدرسة، فلا يجوز «شرعاً» أن تتناول الماء وأنت واقف!

في العشرية الأولى من القرن الحالي كان لكاتب هذه السطور مقال مطول نشر في مجلة العربي حول «التسامح» وأهميته في التعايش بين مكونات المجتمع، أحدهم التقط المقال وقرره قراءة على الصف الأخير في الثانوية، ودعيت في محاضرة للطلاب، وفوجئت بالنص مكتوباً في كتاب القراءة، وعليه أسئلة، وأول سؤال كان: «كيف تثبت أن كاتب المقال مسلم؟»، طبعاً صعقت مما قرأته، لأن موضوعاً عن التسامح أريد به غير ما أنشئ من أجله! لأسباب لا تخفى. تلك بعض التجارب، وأحسب أن القارئ الفطن لديه تجارب أخرى أكثر عمقاً في تطويع النصوص لتهيئة الجيل كي يُلتقط جاهزاً من جماعات التشدد. الكلمات المفتاحية هنا هي «المنهج والمُدرس»، واسمها العام تدريس الدين في المدارس العامة التي تهيئ أرضاً خصبة للمتشددين لالتقاط ضحاياهم، وخاصة المراهقين، تمهيداً لتشكيل عقولهم باتجاه الانخراط في التنظيم، وهو هنا الإسلام الحركي بكل فروعه وتشعباته. لقد أهملت المدرسة لفترة طويلة في معظم الدول العربية وتركت كي تقدم للأجيال «قشور الدين» وليس مقاصده، وكذلك المنهج وتكوين المدرسين، واعتقدت السلطات أن تعلم الدين فيه منفعة للناس والسلطان معاً، ومن ثم تم تركه لتلك الفئة من الناس، ولكن لم يتوقف أحد ليسأل؛ أي محتوى يقدم للشباب من الجنسين؟

لقد استفادت من الفكرة العامة، وهي بحد ذاتها طيبة، استفادت منها الحركات المنظمة لبث أفكار جامدة حول الدين، وخاصة المعاملات، حتى أصبح هناك جيل كامل تلقى هذه الأفكار، دون توقف على حقيقة بشرية جامعة؛ هو أن الزمن يتغير وشروط الحياة تتغير، وبالتالي استخدام الفكر العقلاني لاستنباط الأحكام المناسبة للعصر من النصوص لمواءمة مصالح المجتمع. المؤسف أنه بشكل عام لم يظهر على سطح النقاش في معظم المجتمعات العربية ما يمكن أن يعرف بإصلاح حقيقي في تعليم الإسلام الشعبي، فهو لا يزال فاعلاً ومتشبثاً بالقشور وبيئة صالحة للتجنيد العاجل وغير المكلف، باتجاه التشدد، ولم تكن هناك شجاعة لهذا الإصلاح المستحق. نعم، الدين بشكل عام يشكل حاجة إنسانية، لكن مثله مثل أي شيء آخر في حياة الإنسان يحتاج إلى أن ينقى من الشوائب التي علقها الإنسان عليه لمصلحة ما!

تتردد كثير من الأنظمة بشكل عام في النظر في هذا الملف «خشية أو تجاهلاً أو ابتعاداً عما يُغضب»، لكنها بذلك تترك الباب مفتوحاً لأن يأخذ البعض كل المجتمع بسبب فتوى غامضة وملتبسة تدعي العلم إلى طريق مسدودة، ما ينشأ على أكتافه الإسلام الحركي الانقلابي، بل إن بعض القيادات مسايرة لذلك التوجه تبدأ خطبها وتوجيهاتها بالبسملة والحوقلة في عبارات طويلة قد تأخذ، من دون مبالغة، ثلث الخطاب السياسي!

حظر حركة «الإخوان» هو جزء من كل، أما الحظر فقط، وبالتالي ترك التعليم تتفشى فيه تلك الأفكار المهيئة للتشدد واستقبال من ينصب نفسه «داعية» استقبال الفاتحين، وإغراق الجمهور إعلامياً بأفكار مشوهة عن الدين، وترك جماعات وأفراد يجمعون المال تحت شعار ديني، نتيجة ذلك.

آخر الكلام

الإسلام الحركي سوف يظل باقياً معنا وإن تغير جلده، وسوف يستمر لأن المجتمع يهيئ له المادة الخام لاستمراره.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطبة المخفية في الثقافة العربية القطبة المخفية في الثقافة العربية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab