إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت

إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت!

إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت!

 العرب اليوم -

إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت

عبد الرحمن شلقم
بقلم _ عبد الرحمن شلقم

ما هرب كان أعظم. كم من مفكر صمت وسكت، بل هرب إلى حفرة عقله وانزوى فيها، هرباً من بطش رجال الكنيسة في القرون الوسطى. مئات بل آلاف، لا من رآهم أو سمعهم أو سمع بهم. عندما حكمت الكنيسة الكاثوليكية على الفيلسوف العالم جوردانو برونو بالحرق حياً، ماذا كانت تهمته؟ كانت إعلانه أن الأرض دائرية وتدور حول الشمس. فكرة علمية، لا تضر أحداً من رجال الكهنوت، ولا تلحق ألماً برجل أو امرأة. كل ما في الأمر أن ما ذهب إليه جوردانو برونو، أنه فكر واجتهد خارج حفرة التاريخ والقداسة. جوردانو برونو، امتلك شجاعة جنونية، قوتها دفق العلم، وصلابة الفكر. لكن رفيقه في العلم غاليليو، الذي آمن بنفس ما آمن به برونو، قفز إلى حفرة التقية، وخضع خوفاً لما فرضه عليه سدنة العقيدة. كم من مفكر وعالم في حقبة الظلام الوسطى العظمى، ارتعب وهو يرى ما حلَّ بجوردانو برونو الذي قُطع لسانه ثم أُحرق حياً في ميدان كامبو دي فيوري ـ ميدان أو معسكر الورد ـ بالعاصمة الإيطالية روما، ربما كان الخائفون من العلماء والمفكرين بالمئات أو حتى بالآلاف. الذين يتسلحون بقنابل الظلام، يضعونها حجارة في دروب العقل الإنساني، لتتفجر تكفيراً وتخويناً، لا تقتل العلماء والمفكرين، بل تقتل الزمن وتشد البشر إلى قاع التخلف والظلام الذي يضع الفقر والمرض في الرؤوس والنفوس والأجسام. مواجهة من كانوا يتحكمون في مسار التفكير والإبداع العلمي وحتى الديني، كانت ضرباً من المغامرات الانتحارية الفكرية، دفع الكثيرون فيها حياتهم قتلاً أو سجناً. أكثر من ثلاثين ألفاً من المفكرين، قتلوا أو عذبوا وسجنوا على أيدي الكهنة. مارتن لوثر، رجل الدين الكاثوليكي الألماني، الذي هزَّ الكنيسة بروما، وفتح أبواب العقل الأوروبي نحو عهد النهوض بقوة العقل، لاحقته الكنيسة، ولو لم يجد الحماية من قوة سلطة مدنية، لكان مصيره لا يختلف عما لاقاه جوردانو برونو.
الفلسفة كانت هي الآلة الضخمة ـ الكاتربيلر ـ التي جرفت الألغام التي زرعها الظلاميون في طريق العقل، لتنطلق قوات العقل الضاربة، وتصنع عصراً جديداً ينتج الإنسان الجديد الحر المبدع في كل المجالات. عصور الظلام الوسطى، ليست حقبة عبرت، بل هي سديم كثيف يوجد في كل وقت، تصنعه قوى الجهل التي ترتدي حلل القداسة الكاذبة، وتدافع عن مصالحها الذاتية الدنيوية.
في أوروبا دفع المفكرون والعلماء، آلاف الضحايا، كي يحرقوا تلك الحقبة السوداء ويردموها في الحفرة التي عمّقها الدجالون لقرون بفؤوس التجهيل. البسطاء الذين استخدمهم الإقطاعيون، أدخل الدجالون في ثقوب تخلفهم، أن صكوك الغفران التي تبيعها لهم الكنيسة، هي فائض حسنات وثواب عند بعض القديسين الكبار، كان ذلك استثماراً للجهل صنع فائض قوة ومال. قام القسيس مارتن لوثر، بصرخة عقله بهدم جبال الظلام المقدس. كانت المطبعة الاختراع الأهم الذي أبدعه عقل الإنسان الحر، وكانت الفأس الأضخم الذي هوى به المفكرون والفلاسفة والعلماء على أوثان أغلقت أبواب العقل البشري طويلاً. ترجم لوثر الإنجيل إلى اللغة الألمانية، وتدفقت الكتب التنويرية، وبدأت الجولة الكبرى في الحرب على حصون الظلام. أدرك المسيطرون على منابر العقول في العالم الإسلامي مبكراً خطورة السلاح الجديد، مدافع المطبعة التي تدك كتبها حصون الجهل، فحرموها سنوات طويلة. تحجر الظلام وتشيأ البشر.
عندما غزت جيوش نابليون بونابرت مصر، دكَّت مدافعه العقول المصرية، فاستيقظت لتكتشف أنها في كهف الظلام اليابس. أهم ما أدخلته حملة نابليون إلى مصر، كان المطبعة التي تحول ما في رؤوس قوات الفكر إلى سطور تضيء، فيمشي العوام فوق ألغام الظلام بقوة تجرف ما زرعه الظلاميون باسم الموروث المقدس. عندما غادر الفرنسيون مصر، نقلوا معهم المطبعة إلى لبنان، فهم يدركون أنها قوة الضوء السحرية التي تقود إلى أبواب العلم والفكر والنهوض. لا شك أن نابليون جاء إلى مصر غازياً مستعمراً، لكنه أراد أن يؤسس لقوة جديدة حليفة له تواجه النفوذ البريطاني. في أوروبا والغرب كله، ترسخت قناعة أساسية وهي أن الإيمان الديني حقيقة مكانها القلب لا تخضع للتجريب، والحقيقة العلمية مكانها المعمل والتجربة وتحتمل الخطأ والصواب.
في منطقتنا، لا يزال (الفكر الخائف) يعيش بين ظهرانينا؛ فإما أن يصمت أو يهرب أو يستسلم. عندما انطلقت أصوات العقل في القرن التاسع عشر في المنطقة، وتحديداً في مصر، تداعت إليها سهام التخويف، وإن كانت بالكلام والحروف. لكن المواجهة اتخذت مساراً آخر في القرن العشرين. عندما نشر علي عبد الرازق كتابه «الإسلام وأصول الحكم» شُنّت عليه الحرب الفكرية المجنزرة، ودفع الثمن؛ إذ طُرد من وظيفته وجُرد من شهادته. طه حسين عندما نشر كتابه «في الشعر الجاهلي» ارتعدت فرائص سدنة معابد الجهل المرتفعة في الظلام، وتحول الكتاب إلى قضية قانونية وسياسية، واضطر للهروب خائفاً وعدل ما جاء في الكتاب، وأعطاه عنواناً آخر «في الأدب الجاهلي». محمد أحمد خلف الله، كان له نفس المصير. مسيرة الهروب الفكري الكبير، لم تتوقف وكان الناقوس الأكبر والأخطر، مصير الدكتور فرج فودة الذي قتل، وكذلك نجيب محفوظ الذي تعرض لمحاولة اغتيال.
للهروب الفكري أكثر من طريق، وهي الصمت، والتراجع عما كُتب، أو الهروب إلى خارج الوطن. تراجع طه حسين وتحول إلى مؤرخ ومفكر ديني، وكذلك عباس محمود العقاد، ومحمد عمارة.
اليوم لا تزال المعركة بين الظلام والنور مستمرة، لكن بسلاح آخر. كانت المطبعة يوماً هي المدفع الذي دكَّ حصون التخلف المظلم، اليوم وسائل التواصل الاجتماعي عبر السلاح الجديد وهو تقنية الإنترنت، التي فتحت أبواب النور للشباب. ما لم يدرك السابحون في مستنقعات الظلام، أن العصور الوسطى تحتضر في منطقتنا وتلفظ بقايا أنفاسها، وأن الفكر النير لم يعد يخاف ويهرب، بل يخوض المعركة بسلاح لا يقدرون على مواجهته، لأنه يتخندق في داخل بيوتهم، وبيد أبنائهم. الآن يبدأ هروب جثث العصور الميتة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت إيران بين ثورة الكاسيت والإنترنت



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab