ماذا يعنى ارتفاع الدين العام العالمي، ومن الذي سوف يسدد فاتورة هذا الارتفاع، وهل هناك آثار اجتماعية أو سياسية لهذا التطور؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، من المهم التوقف قليلاً عند البيانات التي أعلنتها منظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة في الرابع من شهر يونيو الجاري، وأهمها أن الدين العام العالمي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 97 تريليون دولار العام الماضي.
والأخطر في هذه البيانات أن نصيب الدول النامية من هذا الدين يبلغ ثلث هذا المبلغ، أما قيمة الأموال المستحقة على الحكومات من جراء هذا الدين فتبلغ 5.6 تريليونات دولار.
من الأمور الجديرة بالتوقف في هذه الظاهرة المهمة أن الصدمات العالمية هزت العديد من الاقتصادات لكن الأكثر تأثراً كانت الاقتصادات الأفريقية، حيث ارتفع متوسط الدين العام إلى 62 % السنة الماضية.
النقطة المهمة أيضاً هي أن خدمة الدين نفسه، وليس فقط أصل الدين، شهدت ارتفاعات قياسية، بحكم أن دولاً مقترضة كثيرة تعثرت في تسديد هذه الديون، لدرجة أن خدمة الدين صارت تساوي أو تزيد على أصل الدين، وتلتهم نسباً كبيرة من موازنات الدول.
وكان لافتاً للنظر أن دولاً إقليمية كبيرة وزناً وسكاناً وثقلاً سياسياً مثل المكسيك والبرازيل ومصر والهند انضمت إلى قائمة الدول التي لديها قدر كبير من الدين العام.
السؤال: كيف يمكن تبرير هذه الظاهرة التي صارت تؤرق العالم، وقد تنفجر في وجه الكثيرين خلال فترة قليلة؟
الأسباب كثيرة ومتشعبة لكن أبرزها أن الاستهلاك أكثر من الإنتاج والواردات أكثر من الصادرات، إضافة إلى ما يسمى بـ«الديون السهلة» بمعنى أن الدول والمؤسسات المالية الغنية كانت تملك وفورات مالية كبيرة، وتقدم قروضاً بشروط ميسرة جداً، لكن هذه القروض بعملات صعبة شهدت ارتفاعات متتالية مقابل انخفاض قيمة العملات المحلية في غالبية الدول المديونة، وبالتالي فإن قيمة الديون قفزت إلى مستويات غير مسبوقة.
ثم جاءت أزمة التضخم العالمي التي أعقبت تفشي وباء كورونا ثم تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية لتزيد الأزمة تفاقماً، وما كان ديوناً سهلة صار أكثر صعوبة.
لكن التضخم العالمي الذي تحول إلى ركود في كثير من مراحله، وجه لطمة قوية للعديد من الاقتصادات خصوصاً في البلدان النامية أو الاقتصادات الناشئة.
إضافة بالطبع إلى الأزمات المتتالية والأداء البطيء وغير المتكافئ للاقتصاد العالمي، وتأثيرات التغيرات المناخية، والنتيجة ومع زيادة تكلفة الاقتراض في مناطق كثيرة بالعالم، فقد قفزت الفائدة على الدين العام إلى 847 مليار دولار العام الماضي بزيادة 26 % على العامين السابقين.
والرقم الأخير على ذمة تقرير مهم لوكالة «أسوشيتد برس».
السؤال: ما النتائج الأولية لظاهرة ارتفاع الدين العالمي؟!
النتيجة الأساسية هي أن ذلك سوف يعيق قدرة الدول التي تعاني من هذه الظاهرة من دفع تكاليف الخدمات الحكومية الأساسية خصوصاً التعليم والرعاية الصحية والنقل والمواصلات وإنشاء أو تجديد البنية الأساسية.
وإذا استمر هذا التعثر وعدم القدرة على السداد، فإن هذه الظاهرة سوف تؤدي إلى زيادة القلاقل والاضطرابات الاجتماعية، وبالتالي مزيد من عدم الاستقرار في مناطق متعددة من العالم.
حلول هذه الظاهرة ليست سهلة ومتاحة لأنها تتطلب سياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة تقود لزيادة الإنتاج والصادرات والتقشف على حساب الاستهلاك والواردات والبذخ.
والأخطر بطبيعة الحال هو أن زيادة الديون العالمية، قد تقود إلى استمرار التضخم، وإذا اقترن هذا التضخم بموجات من الركود فإن ذلك سيكون مؤشراً سيئاً لغالبية بلدان العالم، لأنه ببساطة سيعني ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي ارتفاع أسعار السلع العالمية وصعوبات جمة في الاستثمار الناتج عن زيادة أسعار فوائد الاقتراض، والنتيجة شبه المؤكدة هي قلة التوظيف وزيادة معدلات البطالة عالمياً.
نتمنى ألا تتحقق هذه التوقعات على أرض الواقع، وأن تنجح السياسات الاقتصادية في تجنب هذا السيناريو القاتم.