بقلم -عماد الدين حسين
سوف نفترض أن الحكومة المصرية نجحت فى تدبير كمية الدولارات المطلوبة لحل أزمة نقص العملات الأجنبية، وضخها فى البنوك والأسواق وثبتت سعر الدولار عند مستوى محدد ومعين، فى هذه الحالة فإن السؤال الجوهرى الذى يفترض أن تكون له إجابة واضحة وشافية ومضمونة قدر الإمكان هو: هل التدفق الدولارى سوف يستمر بحيث الاحتياجات الأساسية حتى لا تتكرر الأزمة بعد شهور قليلة؟.
السؤال شرعى وضرورى ومهم وينبغى أن نتحسب له، وتكون هناك رؤية كاملة لضمان تحققه حتى لا تعود الأزمة مرة أخرى.
مبعث طرح هذا السؤال أنه وإذا نجحت الحكومة ــ ونتمنى لها النجاح طبعا ــ فى جمع المبالغ الدولارية اللازمة لحل الأزمة الراهنة وإعادة الأمور إلى طبيعتها بعيدا عن الجنون الذى أصاب سعر الدولار فى الأسابيع الأخيرة صعودا وسعر الجنيه المصرى هبوطا، فإنه من المهم أن يكون هناك تصور واضح لاستدامة التدفق الدولارى بصورة منتظمة، حتى لا نحل المشكلة اليوم ونعود إليها بصورة أسوأ غدا أو بعد غد.
لن أتحدث مرة أخرى عن مسببات الأزمة الراهنة فقد تحدثت عنها مرارا، لكن من دون وضوح الصورة بشأن «اليوم التالى» لحل مشكلة توفير الدولار، فسوف نواجه مشاكل أكثر صعوبة.
المؤسسات المالية الدولية سواء كانت صندوق النقد الدولى أو صناديق الاستثمار أو البنوك الكبرى أو حتى الدول الصديقة والشقيقة، ستقول فى اليوم التالى: «نحن أدينا واجبنا ودفعنا ما هو مطلوب منا، والباقى عليكم أنتم أيها المصريون لكى تواصلوا المسيرة».
بالطبع فإن تدبير المبلغ الأساسى لحل المشكلة الراهنة أمر شديد الأهمية، لكنه ليس كل الأمر، لأننا إذا حللنا مشكلة اليوم، ولم نحل مشكلة الغد فإن الأزمة سوف تستمر للأسف.
تخيلوا أننا دبرنا الكميات اللازمة من الدولارات وقمنا بسداد كل ما هو مستحق علينا من أقساط وفوائد ديون وسلع أساسية ومستلزمات إنتاج مستوردة وأدوية وخلافه لمدة عام مقدما، فماذا عن الشهور الست التى بعدها أو العام التالى؟!
المطلوب أن نحل المشكلة ليس فقط لفترة محددة، ولكن بصورة مستمرة ومستدامة. بمعنى أن نضمن أن الموارد الدولارية سوف تستمر فى التدفق، وتكون كافية لما نحتاجه من متطلبات خصوصا الاحتياجات الأساسية، وألا تكون هذه الموارد مهددة وليست فى أيدينا، من قبيل الأموال الساخنة التى كانت أحد الأسباب الجوهرية فى الأزمة الخانقة التى نعيشها الآن، وألا تكون معتمدة على مورد واحد فقط مثل السياحة، أو قناة السويس، أو تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.
نحتاج سياسة اقتصادية تضمن تدفق العملات وموارد دولارية بصورة دائمة، وألا «نقدس سعر الدولار الثابت».
ولكى يتحقق التدفق المستدام للدولارات نحتاج بالطبع إلى دعم التصدير وتقليل الاستيراد. ولتحقيق ذلك نحتاج إلى دعم الصناعة والزراعة وكل ما له صلة بزيادة الإنتاج المحلى خصوصا فى السلع الأساسية، وأن نشجع وندعم القطاع الخاص ليوفر أكبر قدر من فرص العمل.
نحتاج أساسا أن تستعيد الحكومة أولا ثقة الناس حتى تتمكن من حل الأزمة، بحيث يضع الناس مدخراتهم بالعملة الصعبة فى البنوك المصرية وليس تحت البلاطة، وأن يحول المصريون العاملون فى الخارج أموالهم إلى البنوك الوطنية وليس عبر القنوات الخلفية الموازية فيتحول الدولار إلى سلعة ومخزن قيمة بدلا من كونه مجرد عملة للتبادل التجارى.
أعرف أن كل ما سبق كلام عام نكرره دائما صباحا ومساء، لكن دور الحكومة والبرلمان والقوى السياسية المختلفة أن تحوله إلى واقع مطبق على الأرض.
وفى هذا الصدد أقترح مثلا أن يكون لدينا مجلس أعلى للشئون الاقتصادية برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيا، بحيث تكون له صلاحيات حقيقية فى وضع سياسات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وهو موضوع يحتاج إلى نقاش مفصل لاحقا.