بقلم - عماد الدين حسين
هل التحذيرات من محاولات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، مجرد أوهام ومبالغات أم أنها حقيقة واقعة؟
للأسف الشديد فإن قطاعات مصرية وعربية كثيرة لا تريد أن ترى التصريحات والمحاولات والخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى أى مكان خصوصا سيناء.
وخلال المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد فى بازل السويسرية فى ٢٩ أغسطس ١٨٩٧ بزعامة تيودور هرتزل ناقش المجتمعون البحث عن مكان لإقامة الوطن القومى لليهود وطرحت أماكن عدة مثل أوغندا والأرجنتين وفلسطين، لكن البعض طرح أيضا سيناء المصرية والغريب أنه وبعد ١٢٦ عاما من هذا المؤتمر، يعيد الصهاينة الجدد الطرح ولكن معكوسا، أى يريدون طرد الفلسطينيين إلى سيناء بعد أن استوطنوا هم فلسطين وهوّدوها.
لمن نسى أولا يريد أن يتذكر فإن الإسرائيليين حاولوا مرارا وتكرارا تهجير الفلسطينيين خصوصا من الضفة إلى الأردن لإقامة ما أسموه «الوطن البديل»، وظلوا يلحون على هذه الفكرة. لكنها هدأت قليلا مع توقيع اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣ مع الفلسطينيين، ثم اتفاقية وادى عربة مع الأردنيين عام ١٩٩٤، لكن التعنت الإسرائيلى اللاحق كشف لنا عن أن إسرائيل لا تؤمن أساسا بأى حل حقيقى للقضية بل جوهر سياساتها هو أن يعيش الفلسطينيون فى سجن كبير عبيدا لهم أو يتم طردهم من أراضيهم ومن يرفض هذا أو ذاك يقتل.
رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين الذى قتله متطرف يهودى هو إيجال عامير عام ١٩٩٥، ورغم أن كثيرا من العرب يصنفون رابين على أنه من المعتدلين، كان يردد دائما أنه «يحلم بأن يستيقظ ذات يوم ليجد غزة وقد ابتلعها البحر المتوسط!»، والذى حدث أن التطرف الصهيونى ابتلع رابين وظلت غزة صامدة حتى الآن.
انسحبت إسرائيل من قطاع غزة فى أغسطس ٢٠٠٥، ولم يكن ذلك بهدف منحة الحرية، بل لأن ثمن الاحتلال صار مكلفا ومؤلما، وبعد الانتخابات التشريعية التى فازت بها حماس عام ٢٠٠٦، انقلبت الحركة على الشرعية الفلسطينية عام ٢٠٠٧، ومن يومها حدث الانقسام الكبير فى الصف الفلسطينى الذى تغذيه إسرائيل دائما.
بعد الانسحاب حاصر الإسرائيليون القطاع وحشروا الفلسطينيين فى هذا الشريط الضيق، واعتقدوا أن ذلك سيجعلهم يستسلمون أو يتركون القطاع.
الإسرائيليون روجوا لفكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء أكثر من مرة وفى أكثر من عهد. وهناك فيديوهات متاحة على وسائل التواصل الاجتماعى يرفض فيها الرئيس المصرى الأسبق محمد أنور السادات هذه الفكرة فى حوار مصور مع صحفى أمريكى وقال له ساخرا: «هل تقبلون أن تعطوا الصحراء الأمريكية لأى طرف يريدها؟!!».
وهو ما فعله الرئيس الأسبق أيضا حسنى مبارك الذى قال بوضوح إنهم عرضوا عليه الفكرة ورفض خصوصا من بنيامين نتنياهو. جرب الإسرائيليون محاولة تسويق الفكرة فى أكثر من مرة وأكثر من سياق خصوصا إقامة منطقة مشتركة فى سيناء، أو منطقة اقتصادية أو منطقة أديان مشتركة.
وبالطبع فقد استفادوا كثيرا من انتشار التطرف والمتطرفين فى بعض البؤر بشمال سيناء فربما يكون ذلك مهيئا لترحيل الفلسطينيين والحمد لله أن مصر تمكنت من دحر الإرهابيين الذين أطلقوا على أنفسهم «أنصار بيت المقدس»، ولم يطلقوا رصاصة واحدة لفك أسره من المحتلين!!
الإسرائيليون لم ييأسوا من المحاولة وأغلب الظن حاولوا أيضا فى السنوات الماضية، والأكثر تأكيدا أن كل المسئولين المصريين رفضوا ذلك، ولا يمكن تخيل أن يقبل أى مسئول مصرى هذا الأمر.
إسرائيل ببساطة تخشى القنبلة الديموجرافية الفلسطينية حيث إنه بعد سنوات قليلة فإن الفلسطينيين سيزيد عددهم عن اليهود فى فلسطين التاريخية، وهو ما يجعل فكرة الدولة الواحدة خرافية، خصوصا أن إسرائيل تسعى دائما للقول بأنها دولة كل اليهود وليست دولة لكل مواطنيها، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.
وبالتالى فإن أحد الأهداف الإسرائيلية الأساسية هى تهجير الفلسطينيين خارج فلسطين لأى مكان، ولهذا السبب ترفض تماما القرار ١٩٤ الخاص بحق العودة للفلسطينيين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم حيث يحتفظون هم أو أولادهم وأحفادهم بمفاتيح هذه البيوت حتى الآن.
إسرائيل ومن يناصرها فى الغرب أو الشرق تعتقد أنه حان وقت إعادة تجريب فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء للتخلص من كابوس غزة أولا، ومحو القضية ثانيا، لكن مشكلة إسرائيل أنها لا تتعلم من التاريخ خصوصا حينما يقول إنه يستحيل هزيمة شعب يتمسك بالحياة وبالأرض.