بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم تحل فرحة قطاعات واسعة من الشعب السوري بالتغيير الذي حدث دون ازدياد الجدل حول قضايا يثيرُ بعضها القلق بشأن الاتجاه الذي تتجه إليه البلاد، ويتعلق بعض آخر منها بمسائل جوهرية لمستقبلها.
وفضلاً عن الجدل حول تصريحات مسئولين في الإدارة الجديدة بشأن مناهج التعليم وحقوق المرأة وحرياتها، بدأ خلاف مبكر على مسألة الدستور. لا يقتصر هذا الخلاف على الفترة اللازمة لإعداده، وهي ثلاث سنوات، وفقاً لما قاله قائد الإدارة الجديدة، بل يمتد إلى طريقة كتابته وإصداره.
غير أن المسألة الغائبة عن هذا الجدل، رغم أهميتها، هي مدى حاجة سوريا إلى دستور جديد يبدأ إعداده من نقطة الصفر، ويستنفذ جهداً تشتد الحاجة إليه لمعالجة أزمات اقتصادية وأمنية، وتحقيق الاستقرار الذي يتعذر إعادة بناء الدولة السورية بدونه. وهذا فضلاً عن خلافات يتُوقع أن تظهر، وقد تَكبر، حول قضايا حساسة تتعلق بهوية الدولة وطبيعتها ومرجعيتها، كما حدث في تجارب عربية، خلال الفترة التالية لأحداث عام 2011. فكتابةُ دستورٍ جديد تماماً تتطلب بناء توافق عام تزداد صعوبته في ظل وجود جماعات دينية متطرفة أو متشددة، وخاصة حين يكون لبعضها نفوذ أو قوة تفوق غيرها. وقد لا يكون سهلاً إقناع بعض هذه الجماعات، التي لعبت دوراً في الفصل الأخير من «معركة التغيير»، بأن لا مستقبل لسوريا إلا ببناء دولة مدنية لكل مواطنيها على أساسٍ من المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات.
ولا يعنى هذا أن تبقى سوريا بلا دستور. فأمام السوريين ثلاثة خيارات لا يثير أيُ منها مثل هذه المشاكل، فضلاً عن أن في الأخذ بأحدها توفيراً للجهد والوقت.
الخيار الأول هو إبقاء الدستور الحالي مع إجراء بعض التعديلات الضرورية فيه. فهذا دستور جيد أُصدر في عام 2012 خلال المحاولة التي لم تكتمل لاحتواء الهبّة الشعبية ولنزع فتيل أخطارها. ولم تكن المشكلة في نصه، بل في عدم تطبيقه بالكامل. وهو يكفل في مادته التاسعة «حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته». وينص في مادته الثالثة والثلاثين على أن «المواطنة مبدأ أساسي»، و«المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات». وربما لا يحتاج سوى إلى تعديلات بسيطة في الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية.
ويوجد أيضاً دستور عام 1950 الذي وضعته جمعية تأسيسية ممثلة لمكونات الشعب السوري كلها، وكان موضع توافق عام في حينه. وهو يعتمد نظامَ حكمٍ برلمانياً، وليس رئاسياً بخلاف دستور عام 2012. ويحتاج الأخذ بدستور عام 1950 إلى تعديلات في بضع مواده التي تقادمت بفعل عامل الزمن.
وعدا عن هذا وذاك، وكلاهما متاحان للسوريين حالياً، يمكن وضع إعلان دستوري مؤقت لمدة خمس سنوات على سبيل المثال، ويكون قصيراً يتضمن فقط القواعد الأساسية لتسيير شؤون البلاد، وطريقة إجراء الانتخابات، وذلك من خلال عملية تشاور لا يُتوقع أن تكون صعبة بسبب الطابع الإجرائي لهذا النوع من القواعد أو الوثائق الدستورية المؤقتة. ويمكن، خلال فترة سريان هذا الإعلان الدستوري المؤقت، أن يتم العمل على نشر ثقافة قبول الآخر والتسامح والحوار والائتلاف، وهو ما يرجوه مَن يتمنون للشعب السوري الخيرَ والأمن والازدهار.