بقلم - عماد الدين حسين
ما الذى ينتظره المواطنون العرب من القمة العربية الطارئة التى ستنعقد اليوم فى العاصمة السعودية الرياض بدعوة من السلطة الفلسطينية وحكومة المملكة؟
المواطنون البسطاء الذين يرون مشاهد البلطجة الإسرائيلية وجرائم الإبادة التى يمارسها جيش الاحتلال على الهواء مباشرة ضد سكان قطاع غزة، يريدون ويحلمون أن تقرر القمة العربية ومعها القمة الإسلامية إعلان الحرب على إسرائيل فورا لردعها عن محاولات محو غزة من الوجود.
لكن العرب المطلعين على واقع الأمور والظروف والمواءمات والمصالح أكثر حذرا ومطالبهم محدودة، ويتمنون أن تنجح القمة فى وقف العدوان الإسرائيلى والتهدئة تمهيدا لمفاوضات جادة بإشراف دولى تقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ٤ يونية ١٩٦٧.
المواطنون البسطاء معذرون لأنهم يرون أشقاءهم الفلسطينيون يتعرضون للقتل العشوائى من سلاح الجو والمدفعية والصواريخ الإسرائيلية، ويرون عملية تدمير ممنهجة لبيوت ومنازل وعمارات، بل واستهداف مباشر للمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس وسائر المنشآت الفلسطينية. والهدف تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للحياة، وبالتالى إجبار سكان على النزوح واللجوء إلى خارجه خصوصا سيناء المصرية. إضافة إلى جرائم المستوطنين لإجبار سكان الضفة الغربية على الرحيل إلى الأردن. وبالتالى فلسان حال هؤلاء البسطاء يردد دائما: متى تتحرك الدول العربية وتتخذ موقفا واضحا وحاسما يلجم إسرائيل ويجبرها على وقف العدوان، ولماذا لا تقرر الدول العربية قطع علاقاتها مع إسرائيل فورا ومع كل من يساندها، وأن يتم تفعيل أوراق الضغط المملوكة للعرب كى يستخدموها لنصرة أشقائهم فى فلسطين؟
لكن فى الناحية الثانية، فإن بقية العرب الذين يعرفون واقع الحال والخلافات والمنافسات والتعقيدات الكثيرة فى العلاقات العربية العربية يقولون إنه ليس مطلوبا من القادة العرب المجتمعين فى الرياض أن يعلنوا الحرب على إسرائيل أو حتى قطع العلاقات معها.
لأن السنوات الماضية جعلت الخلافات العربية العربية تصبح أصعب كثيرا من بعض الخلافات العربية الإسرائيلية. وهو أمر لعبت فيه إسرائيل وأمريكا وبعض الأوروبيين وبعض دول الجوار العربى دورا كبيرا فى صناعته وتعميقه، لكن للموضوعية فإنها استغلت التربية الخصبة للانقسامات السياسية والعرقية والدينية والطائفية الموجودة أصلا.
لو أن القمة العربية تمكنت من وقف إطلاق النار والمجزرة اليومية ضد سكان غزة، فإنها تكون قد نجحت نجاحا كبيرا.
ليس خافيا أن هناك تناقضات كبيرة بين بعض الدول العربية وحركة حماس المنتمية لجماعة الإخوان. وبعض هذه الدول يلوم الحركة لأنها اتخذت قرارا بالحرب، وهى تدرك أن الرد الإسرائيلى سيكون قاصما، لكن هناك تيارا يقول إن المقاومة الفلسطينية لم يكن لديها خيار آخر، وهى ترى إسرائيل تهود الضفة وتستبيح المسجد الأقصى كل يوم وتستمر فى حصار غزة.
لكن أظن أن حتى الدول العربية المختلفة مع حماس بدأت تدرك بعد شهر من العدوان الوحشى أن المقصود ليس حماسا أو المقاومة فقط، ولكن تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر والأردن، وكذلك العربدة فى المنطقة بأكملها خصوصا بعد التهديد بقصف غزة بالقنبلة النووية، وأن سلاح الجو الإسرائيلى قادر على الوصول لأى مكان فى المنطقة.
أظن أن هناك بادرة أمل فى هذه القمة بالعاصمة الإدارية بعد أسبوع من العدوان ثم البيان الجماعى لوزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن وفلسطين، والذى يطالب بوقف النار والشروع فى حل دائم.
أتمنى أن ينجح القادة العرب اليوم فى تجاوز الخلافات ولو لفترة مؤقتة ووقف المجزرة الإسرائيلية. ليس حتى دفاعا عن فلسطين والأقصى، ولكن فى الأساس دفاعا عن الأمن الوطنى لكل دولة عربية على حدة، بل وحرصا على حالة الاستقرار داخل كل دولة عربية على حدة. خصوصا أن هناك تقديرات تقول إن تنفيذ المخطط الإسرائيلى بتصفية القضية الفلسطينية وتشريد الفلسطينيين فى المنافى والمهاجر، سيحولهم إلى قنابل موقوتة تنفجر فى كل المنطقة، وربما فى أماكن أخرى بالعالم.
كل التوفيق للقادة العرب كى يستخدموا كل ما يملكون من أوراق لوقف جريمة الإبادة الجماعية التى تنفذها إسرائيل فى قطاع غزة.