حينما كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى الدكتور مصطفى مدبولى بتشكيل الحكومة الجديدة، يوم الإثنين الماضى، جاء فى الأهداف التى حددها الرئيس للحكومة ما يلى:
«تشجيع نمو القطاع الخاص وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، وذلك فى إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادى للدولة فى جميع القطاعات».
هذا تكليف شديد الأهمية، وإذا تم تطبيقه بالصورة الصحيحة والواجبة فسوف يؤدى إلى تقدم كبير فى الاقتصاد المصرى فى مجالات كثيرة والعكس صحيح.
السؤال: لماذا لا يحدث تقدم كبير فى تشجيع ودعم القطاع الخاص، رغم أن رئيس الجمهورية يكرر دائمًا ضرورة دعمه وتشجيعه وتحفيزه، كما أن رئيس الوزراء وغالبية الوزراء يكررون ذلك، ورغم ذلك فالعقبات ما تزال كبيرة أمام تطبيق ذلك على أرض الواقع؟
التفسير الأقرب إلى الصحة أن العديد من الحكومات المصرية منذ ثورة يوليو ١٩٥٢، لم تكن مؤمنة بدور القطاع الخاص بصورة حقيقية.
حينما اتخذت ثورة يوليو قرارات التأميم المعروفة أوائل الستينيات من القرن الماضى، وتوسعت فى إنشاء شركات القطاع العام، فإن وسائل الإعلام لعبت دورًا مهمًا فى شيطنة القطاع الخاص لعقود طويلة.
صحيح أن القطاع العام لعب دورًا مهمًا ورائدًا فى عملية التنمية وبناء قاعدة صناعية معقولة منذ أوائل الستينيات، وصحيح أنه تحمل العبء الأكبر فى تمويل وقيادة حرب الاستنزاف «١٩٦٧- ١٩٧٠»، ثم حرب أكتوبر ١٩٧٣، ولسنوات طويلة بعدها، لكن الترهل الإدارى والمحسوبية والفساد الكبير، وغياب المحاسبة والتوسع المبالغ فيه أدى إلى أن الاقتصاد المصرى تأخر طويلًا، ناهيك عن أن الدولة لم تعد مؤمنة بدور هذا القطاع لأسباب متعددة منها فشله عمليًا، واتجاهها للتعامل مع الغرب والارتباط باتفاقيات إصلاح اقتصادى متعددة مع مؤسسات التمويل الدولية خصوصًا صندوق النقد والبنك الدوليين. وأحد الشروط الجوهرية لهذه المؤسسات تشجيع القطاع الخاص والحد من دور القطاع العام.
الدولة المصرية تؤمن الآن بدور مهم للقطاع الخاص، الرئيس السيسى قبل أيام قليلة، قال بوضوح، إن إدارة القطاع الخاص أفضل كثيرًا من الدولة. والدكتور مصطفى مدبولى يتحدث بصورة متكررة عن تشجيع القطاع الخاص، وقام فى الفترة الأخيرة بتفقد العديد من مشروعات هذا القطاع.
لكن السؤال: لماذا رغم هذا التشجيع المتكرر من أعلى المستويات فى الدولة لا نجده مطبقًا بصورة صحيحة على أرض الواقع؟
أغلب الظن أن الإجابة تكمن فى أن شيطنة القطاع الخاص على مدى عقود ما تزال مترسخة داخل عقول الكثيرين خصوصًا فى الأجهزة والمؤسسات والوزارات الرسمية، وقد لعبت وسائل الإعلام والسينما والدراما دورًا بارزًا فى ترسيخ هذه الثقافة وتجديدها دونًا ومعظم شخصيات رجال الأعمال والمستثمرين والأغنياء عمومًا تجدها سلبية، ولا تسعى إلا للرشوة والسرقة ومص دماء الفقراء.
هل معنى ذلك أن الأغنياء ملائكة بأجنحة؟
الإجابة هى لا، وكل قطاع وطائفة بها الصالح والطالح، لكن معظمنا ينسى أن القطاع الخاص الآن هو الذى يوظف أكثر من ٢٥ مليون مصرى، مقابل أقل من خمسة ملايين مصرى يوظفهم القطاع العام والحكومى تقريبًا.
الحكومة توقفت منذ سنوات عن التوظيف إلا ما ندر، وهذه المهمة يتولاها القطاع الخاص، وبالتالى فالمنطق يقول بوضوح إنه ينبغى تشجيعه ودعمه وتحفيزه بكل الوسائل والطرق حتى يتوسع فى التوظيف، وإذا كان هناك شخص أو مجموعة فاسدة، فينبغى معاقبتهم بأشد طرق القانون صرامة.
تشجيع أى مستثمر خاص يعنى توظيف مجموعة من المصريين، وإخراجهم من طوابير البطالة أو الحاجة للحماية الاجتماعية، والعكس صحيح تمامًا، وبالتالى فالمرجو من الحكومة الجديدة للدكتور مدبولى ألا تكتفى فقط بالحديث عن دعم القطاع الخاص، بل تسعى لتطبيق ذلك على أرض الواقع. عليها أن تكتشف أين تكمن العراقيل والعقبات. والأهم أن تزيح العقليات المتحجرة من شبابيك التعامل مع المستثمرين ورجال الأعمال. وعليها أن تهتم بالدراما التى تشجع على تحسين صورة رجال الأعمال المنتجين، وليس فقط الفاسدين.