القاهرة - العرب اليوم
كتبت هذا المقال يوم السبت قبل الماضى السابع من أكتوبر، لكن زلزال عملية «طوفان الأقصى»، وما أدت إليه من تداعيات متتالية جعلتنى أؤجل نشره أكثر من مرة، لدرجة أننى فكرت فى نسيانه تماما ثم اكتشفت أن له علاقة ما مع ما يحدث الآن فى المنطقة خصوصا من زاوية تركيز أوروبا وبرلمانها وكل الغرب على ملف حقوق الإنسان فى مصر فى حين أنهم يؤيدون الإبادة الجماعية لجيش الاحتلال الإسرائيلى على غزة ومحاولة تهجير أهلها قسرا إلى سيناء المصرية.
والى نص المقال:
سؤال: هل حالة حقوق الإنسان فى مصر مثالية ونموذجية؟!
الإجابة الموضوعية تقول لا. وهناك ثغرات ومشاكل كثيرة تستحق المعالجة فى هذا الملف. سؤال ثانٍ: هل هذه الحالة تعطى الخارج حق التدخل فى شئوننا؟!
الإجابة هى لا بصورة قاطعة.
السؤالان السابقان مهمان كمدخل لمناقشة موضوعية لبيان البرلمان الأوروبى الذى صدر صباح يوم الجمعة قبل الماضى، ووجه انتقادات لاذعة لحالة حقوق الإنسان فى مصر، وتدخل بصورة سافرة فى أعمال القضاء المصرى، حينما طالب بالإفراج الفورى عن أحد المحكوم عليهم، ووقف المضايقات التى تعرضت لها حملة أحد المرشحين المحتملين لانتخابات رئاسة الجمهورية.
وهناك مجموعة من الملاحظات على هذا البيان، وكذلك من بعض ردود الفعل غير الرسمية فى مصر عليه.
الملاحظة الأولى: أن بيانات البرلمان الأوروبى مجرد توصيات وليست قرارات ملزمة، لكن لها تأثير معنوى مهم ينبغى عدم التقليل منه، وينبغى التعامل معها بجدية. ويبقى التأثير الأكبر للتوصيات أو القرارات والتشريعات التى تصدر عن الاتحاد الأوروبى، أو البرلمانات الوطنية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
الملاحظة الثانية: أنه يحق لكل حزب أو قوة سياسية مصرية شرعية أو شخصيات عامة مناقشة وانتقاد حالة حقوق الإنسان فى مصر والبحث فى كيفية سد ثغراتها.
الملاحظة الثالثة مرتبطة بالملاحظة الثانية، وتتمثل فى أن الحوار الوطنى شهد مناقشات معمقة ومهمة سواء فى جلسات مجلس الأمناء أو بعض جلسات لجان المحور السياسى، وناقشت بعمق وموضوعية وحرية جوانب متعددة لكل القضايا السياسية ومنها حقوق الإنسان، وخلالها وجه بعض الحاضرين العديد من الملاحظات والانتقادات القوية لبعض جوانب الملف الحقوقى، وهناك وعود حقيقية بإصلاح العديد من هذه القضايا حينما يتم انتهاء بقية أعمال لجان الحوار الوطنى، وتنفيذ وتحويل توصياته إلى مخرجات وقرارات وتشريعات.
الملاحظة الرابعة: إن إثارة هذا الملف أوروبيا وأمريكيا لا تكون فى معظم الأحيان دفاعا أصيلا عن حقوق الإنسان، بل عملية ابتزاز سياسى. لا نقول ذلك تجنبا، بل انطلاقا من وقائع متعددة طوال العقود الماضية بغرض فرض أجندات محددة سواء فى المجال السياسى أو الاقتصادى أو حتى الإعلامى والمجتمعى، وقد اتضح ذلك بصورة سافرة فى تأييد معظم البلدان الأوروبية لعملية الإبادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى فى هذه اللحظات.
الملاحظة الخامسة: إن التشنج والحماسة لا تفيد كثيرا فى التعامل مع أوروبا والغرب والعالم. بل نحتاج كل الوسائل خصوصا النقاش والحوار والمنطق والحجة والتفنيد وأحيانا الفضح، خصوصا أن هناك علاقات مصرية متشعبة مع أوروبا فى سائر المجالات، وأظن أن هناك دوائر أوروبية كثيرة تتعامل مع مصر بصورة عقلانية وواقعية بعيدا عن لغة البيانات المتشنجة التى تصدر عن البرلمان الأوروبى، أو بعض لجانه. ومن المهم معرفة كيفية مخاطبة العقل الأوروبى ووسائل إعلامه بلغة يفهمونها، وليس بطريقة «التبشير فى المؤمنين» التى تدمنها العديد من الجهات والمؤسسات المصرية، وهى تنتقد بيان الاتحاد الأوروبى بإصدار بيانات ومواقف باللغة العربية وبصورة حماسية عاطفية لا تصل للأوروبين أصلا، وبالتالى يكون السؤال وما الهدف من إصدارها بهذه الصيغة؟!
الملاحظة السادسة: ضرورة التفريق بين حقنا كمصريين فى مناقشة وانتقاد بعض جوانب الملف الحقوقى المصرى، وبين ضرورة التصدى لأى تدخل أوروبى أو غربى أو أجنبى فى شئوننا الداخلية بهذه الصورة الفجة والمتحيزة والمفضوحة.
الملاحظة السابعة: إن العقل السياسى الغربى ما يزال فى معظم تعاملاته معنا ــ إلا قليلا ــ يصر على النظرة الاستعلائية الفوقية ومنطق الوصاية الذى كان سائدا خلال عصور الاستعمار المباشر وقد اتضح ذلك بصورة واضحة فى الأيام الماضية بالانحياز الأعمى إلى جانب العدوان الإسرائيلى.
الملاحظة الثامنة والأخيرة: ضرورة أن نعالج كل جوانب القصور لدينا حتى لا نعطى الآخرين فرصا وهدايا مجانية، واستعمالها كأدوات للابتزاز حينما يريدون الضغط علينا للحصول على تنازلات فى ملفات متعددة.