بقلم - عماد الدين حسين
هل يعقل أن يكون وزير التراث الإسرائيلى أميحاى إلياهو قد تصرف من تلقاء نفسه، حينما طالب باستخدام القنبلة النووية ضد قطاع غزة ومحوه من الوجود تماما، مؤكدا أنه لا يوجد هناك فارق بين مدنى ومقاوم فكلهم يستحقون القتل؟!
ظنى الشخصى أن إلياهو أطلق هذا التصريح شديد الخطورة بتنسيق كامل مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبقية أعضاء الحكومة المتطرفة، أو على الأقل بتنسيق مع «الكابنيت» أو المجلس الحربى المصغر الذى يضم مجموعة من الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأجهزة الأمنية أو على الأقل مع قادة حزبه المتطرف «القوة اليهودية».
فى مثل هذه الأوضاع شديدة الخطورة لا يمكن تخيل أن يخرج وزير بهذا التصريح إلا فى إطار تنسيق مسبق بهدف إرسال مجموعة من الرسائل لكل من يهمه الأمر.
وسوف نفترض أن الوزير المتطرف لم ينسق مع نتنياهو بل تصرف من تلقاء نفسه أو اكتفى بالتنسيق مع حزبه الذى يترأسه ايتمار بن غفير وزير الأمن القومى، وحتى فى هذه الحالة فإن المغزى يظل شديد الخطورة لأنه يكشف عن مجموعة من الحقائق.
أولها أن هذه هى المرة الأولى التى يعلن فيها مسئول رسمى إسرائيلى عن امتلاك بلاده للقنبلة النووية.
نعرف أن عالم الذرة الإسرائيلى المعروف موردخاى فانونو قد هرب إلى لندن عام ١٩٨٦، وهناك كشف لصحيفة الصنداى تايمز عن امتلاك تل أبيب لـ٢٠٠ رأس نووى من مفاعل ديمونة الموجود فى صحراء النقب منذ عقود طويلة.
صحيح أن نتنياهو استنكر تصريح إلياهو ووصفه بأنه «بعيد عن الواقع» وأوقفه عن حضور اجتماعات الحكومة لكن بعد أن ضمن أن الهدف الأساسى من التصريح حدث وهو مربط الفرس.
فإسرائيل التى شعرت بتهديد حقيقى وفعلى لوجودها صبيحة ٧ أكتوبر الماضى بعد عملية «طوفان الأقصى» وتحطم لديها مفهوم الردع والجيش القوى الذى لا يقهر، وانكشفت حقيقة مستوى أجهزة مخابراتها التى فوجئت بـ«طوفان الأقصى»، تريد أن تستعيد هيبتها وترمم مفهوم الردع، وتبعث برسالة إلى كل المنطقة والعالم بأنها ما تزال قوية.
فى إطار هذا الهدف يمكننا فهم مجموعة من الأحداث أولها تصريح رئيس الأركان الإسرائيلى هاليفى هرتسلى بأن سلاح الطيران الإسرائيلى قادر على الوصول لأى مكان فى المنطقة وضرب أهدافه بدقة. وأظن أنه ليس موجها فقط إلى إيران كما يعتقد البعض، بل موجه للجميع القريب والبعيد، من تجمعهم علاقة بإسرائيل، ومن يعادونها.
المؤشر الثانى هو التحشيد الأمريكى غير المسبوق عسكريا، حيث أرسلت حاملتى الطائرات فورد وأيزنهاور بعد «طوفان الأقصى» مباشرة ثم أرسلت سفينة نووية قبل أيام، وأعلنت عن تزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة، وفتحت خزائنها لتمويل إسرائيل، وكلها مؤشرات وتحركات تؤكد أن الغرب شعر بتهديد وجودى حقيقى لهذا الكيان المصطنع، ناهيك عن الزيارات المتتالية لقادة العالم الغربى لإسرائيل لكى يقولوا لها نحن معكم، وفى مقدمتهم الرؤساء الأمريكى بايدن والفرنسى ماكرون ورئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك والمستشار الألمانى أولاف شوليز وآخرون.
مرة أخرى تهديد إلياهو يهدف إلى بعث رسالة للجميع بأن إسرائيل لديها قنبلة يوم القيامة، والهدف أن تفكر أى دولة أو منظمة أو حركة أو تنظيم مليون مرة قبل أن يفكر فى تحدى إسرائيل عسكريا خصوصا إيران وحزب الله وكل من يفكر فى مقاومتها.
النقطة الثانية أن تطرف المجموعة الحاكمة فى إسرائيل حاليا يجعلنا نعتقد أن هذه العصابة لا يمكن التنبؤ بأفعالها وأنها فى اللحظة التى سوف تشعر بتهديد حقيقى لوجودها فلا يمكن استبعاد أن تلجأ إلى استخدام السلاح النووى.
أظن أن تصريح إلياهو ورغم خطورته الواضحة فإنه مفيد جدا كرسالة تنبيه لكل من لا يزال ينظر لإسرائيل باعتبارها دولة طبيعية يمكن التعايش معها.
هى كيان عنصرى استيطانى استعلائى ينظر باحتقار لكل الشعوب انطلاقا من الأفكار المتخلفة المعششة فى عقولهم المريضة.
الدرس الأساسى لمجمل العدوان الإسرائيلى المستمر حتى اللحظة هو أن هذا الكيان لا يمكن التعايش معه، وصدق جمال عبدالناصر حينما قال إن الصراع معهم صراع وجود وليس حدود فهل نتعظ جميعا كعرب ومسلمين؟!!