بقلم - عماد الدين حسين
هل هناك وسيلة وقوة إنفاذ لمحكمة العدل الدولية كى تنفذ به أحكامها؟
الإجابة هى لا، لكن السؤال الثانى المهم: هل معنى ذلك أن أحكامها بلا قيمة أو تأثير؟!
الإجابة هى لا قاطعة، وفى الحالة الراهنة التى نحن بصددها أى العدوان الإسرائيلى على غزة، والشكوى التى تقدمت بها جنوب إفريقيا، ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى قطاع غزة، وتم البدء بنظرها أمس الأول الخميس، فإن هناك العديد من الفوائد والإيجابيات للفلسطينيين، وفى المقابل المزيد من السلبيات لإسرائيل.
الفائدة الأهم لهذه الشكوى والمرافعات المهمة التى قدمتها جنوب إفريقيا طوال يوم الخميس الماضى هى أن ساهمت إلى حد كبير فى كشف الصورة الحقيقية لإسرائيل، باعتبارها كيانا عنصريا إرهابيا فاشيا استيطانيا.
كثيرون لم يكونوا يدركون ذلك، بما فيهم الكثير من العرب والمسلمين الذين صدقوا لبعض الوقت أن إسرائيل هى «الدولة الديمقراطية المدنية المتحضرة وسط بحر من الاستبداد والتخلف العربى!!!». فما البال بالأوروبيين والأمريكيين وسائر الأمم الذين يعيشون بعيدا عن المنطقة، ولم يدركوا كثيرا حقيقة ما تفعله إسرائيل.
إسرائيل خسرت كثيرا منذ السابع من أكتوبر، لكن أيضا فإن أحد أخطر ما خسرته هو سمعتها خصوصا أن قطاعات كثيرة من الرأى العام الغربى فى أوروبا وأمريكا وكندا بدأت تدرك الوجه الحقيقى لإسرائيل.
رئيسة محكمة العدل الدولية الأمريكية جوان دونو هيو تلت المطالب العشرة التى طلبتها جنوب إفريقيا من المحكمة وأبرزها إصدار تدابير مؤقتة لحماية أهالى غزة من العدوان وتعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومنع أى وحدات مسلحة من الهجوم على أهالى غزة، ووقف تدمير المرافق الحيوية والمنازل فى القطاع، وكل هذه المطالب عاجلة وقد يصدر الحكم فيها خلال يناير، فى حين أن الطلب الرئيسى لجنوب إفريقيا هو إثبات أن إسرائيل ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين فى قطاع غزة وهو أمر قد يستغرق بحثه شهورا.
الذين تحدثوا من جنوب إفريقيا فى اليوم الأول كانوا موفقين جدا فى عرضهم وكلماتهم، وحازوا إعجاب وإشادة الذين تابعوا وقائع المحكمة ولديهم الحد الأدنى من الحس الإنسانى. شخصيا أعرف كثيرين تسمروا أمام شاشات التلفاز وكأنهم يتابعون مباراة نهائى كأس العالم لكرة القدم.
وزير العدل الجنوب إفريقى دونالد لامولا قال إن إسرائيل انتهكت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وسفيرهم فى هولندا فوسيموزى مادونسيلا تلا لائحة الاتهام ضد إسرائيل. وعضو فريق الدفاع عديلة حاسيم شرحت جزءا من وقائع العدوان بقولها إن إسرائيل هاجمت وقتلت وأصابت آلاف الفلسطينيين برا وبحرا وشردت مئات الآلاف. وإن إسرائيل قصفت الأطفال فى الحضانات ودمرت كل مقومات الحياة حتى لا يعود الفلسطينيون إلى بيوتهم. وأن ١٣ أسبوعا من الإدلة تشير بشكل لا لبس فيه إلى نية إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية، وأن الأدلة الموجودة اليوم فى غزة أكثر وضوحا بكثير مما كان متوفرا فى حالة ميانمار. وقالت إننا ننتظر من المحكمة إثبات أن بعض ما تقوم به إسرائيل يشكل خرقا لميثاق الإبادة الجماعية. عضو فريق الدفاع الجنوب إفريقى تمبيكا نجكوكا لفت نظر المحكمة إلى مقطع فيديو لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حينما خاطب جنوده مستعينا بكلام من التلمود عن العماليق وضرورة الانتصار على الآخرين. وكذلك وصف وزير الدفاع يؤاف جالانت للفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، ودعوات العديد من المسئولين الإسرائيليين للتدمير الكامل لقطاع غزة أو تهجير مواطنيه إلى مصر. مرة أخرى وبغض النظر عن الحكم الذى سوف تصدره المحكمة فإن وضع إسرائيل فى قفص الاتهام أمام العالم كله سوف يساعد كثيرا فى تعرية وكشف مساحيق التجميل الرديئة من فوق الوجه العنصرى القبيح. ومن لا يصدق فعليه أن يتابع الصحافة الإسرائيلية لكى يدرك حالة الهلع التى بدأت تنتاب النخبة الإسرائيلية.
لا يملك أى فلسطينى أو عربى عاقل أو حتى أى إنسان حر فى العالم أجمع سوى أن يقدم كل آيات الشكر والعرفان والتقدير لدولة جنوب إفريقيا وحكومتها على هذه المبادرة المهمة.
لم يكن غريبا على جنوب إفريقيا أن تفعل ذلك، لأنها أكثر من عانى من الإبادة الجماعية فى فترة الحكم العنصرى البغيض، والذى بالصدفة كان صديقه وسنده الأساسى هو الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة، إضافة بالطبع إلى أمريكا وبريطانيا. من المهم استمرار الجهد على كل الساحات لكشف هذا الوجه البغيض للاحتلال الصهيونى الغاشم.