بقلم - عماد الدين حسين
ما معنى أن تكون مصر هى المحطة الأولى لرئيس مجلس السيادة السودانى الفريق عبدالفتاح البرهان، منذ اندلاع الصراع الدموى بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع فى ١٥ أبريل الماضى أى منذ حوالى أربعة شهور ونصف؟!
المعنى الأول والسريع أولا: أن السودان ــ على الأقل فى مستواه الرسمى ــ لا يزال ينظر إلى مصر نظرة متميزة عن كل جيرانه بل وربما المنطقة، باعتبارها الشقيق الحقيقى.
وثانيا هى إشارة رمزية إلى أن دور مصر لا يزال مهما وأساسيا رغم كل محاولات إبعاد البلدين عن بعضهما البعض عبر قوى داخلية وأخرى خارجية.
وثالثا: فإن العلاقات الشعبية بين البلدين ربما تكون أفضل حالا بمراحل مقارنة بالعلاقة بين الحكومات فى فترات زمنية طويلة. ورغم كل محاولات الوقيعة بين البلدين، والاصطياد فى مياه عكرة، فإن الشعبين أثبتا إلى حد كبير أن وعيمها الفطرى هو أساس العلاقة السليمة والضامن الأكبر لاستمرارها.
وأفضل مثال على ذلك أن علاقات البلدين فى فترات كثيرة خلال فترة حكم عمر البشير لم تكن فى أفضل الأحوال، وحتى بعد سقوطه فإن فئات فى المجتمع السودانى حاولت مرارا وتكرارا الإساءة لهذه العلاقات، والحمد لله أنها فشلت إلى حد كبير ــ وأحد أفضل الأدلة على ذلك أن الشعب المصرى لم يغير من معاملته للشعب السودانى طوال كل هذه السنوات التى استثمر فيها المتربصون كثيرا.
قبل سقوط البشير وبعد سقوطه وحتى أثناء تدهور العلاقات الرسمية، استمر تدفق الأشقاء السودانيين على مصر بكثافة ملحوظة، لدرجة أن عددهم وفقا لمصادر رسمية يصل إلى حوالى ٥ ملايين سودانى من مختلف فئات الشعب السودانى.
وحينما اندلع الصراع الدموى فى منتصف أبريل الماضى فإن أكثر من ٦٠٪ من الذين فروا من المعارك خارج البلاد قد اختاروا مصر وجهة أساسية لهم.
الدولة المصرية عاملت السودانيين الواصلين إليها مثل المصريين تماما. صحيح أنها وضعت قواعد تنظيمية للدخول وهو أمر منطقى وطبيعى، لكنها لم تمنعهم، ولم تضعهم فى خيام أو معسكرات لاجئين، بل اندمجوا مع المصريين من دون فرق يذكر.
والشعب المصرى، تعامل معهم كأخوة حقيقيين. ولذلك لم يكن غريبا أن تجد أشقاء سودانيين كثيرين يسكنون فى عمارات مشتركة مع إخوانهم المصريين، ليس فى القاهرة والإسكندرية فقط، ولكن فى غالبية محافظات الجمهورية خصوصا أسوان وهى المكان الأول للأشقاء القادمين برًا. كما صار ملحوظا اندماج بعض الإخوة السودانيين فى أعمال مختلفة مع أشقائهم المصريين.
وكان ملفتا أن وزارة الثقافة المصرية أقرت سلسلة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والورش الفنية التدريبية للحرف التراثية دعما للجالية السودانية. ورحبت الوزارة بالموهوبين منهم وإلحاقهم بمعاهد أكاديمية الفنون، إضافة إلى احتفالية كبرى تشمل أهم المفردات الثقافية والفنية المجسدة للهوية السودانية بمشاركة الفنانين السودانيين.
هل يتعرض بعض السودانيين لبعض المشاكل؟!
نعم يحدث ذلك أحيانا، لكنها نفس المشاكل التى يتعرض لها المواطنون المصريون. وبالتالى يبدو واضحا أن قوى وجهات وشخصيات مختلفة تحاول استغلال وتصيد حوادث وخلافات فردية للإيحاء أنها تمثل ظاهرة عامة.
العلاقة المصرية السودانية أثبتت أنها ثابتة وراسخة رغم كل محاولات التشويه والتخريب، ولذلك لم يكن غريبا حرص عبدالفتاح البرهان خلال كلمته فى لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى ظهر أمس الأول فى العلمين الجديدة، التأكيد على شكر مصر والمصريين على حسن استقبال المواطنين السودانيين واستضافة الجالية السودانية الكبيرة فى مصر، وتقديم كل العون لها، مشيدا بالمساندة المصرية الصادقة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان فى ظل المنعطف التاريخى الذى يمر به.
ما سبق عن العلاقة المصرية السودانية خصوصا على المستوى الشعبى، لكن السؤال الجوهرى هو: هل هناك جديد فى جولة البرهان، وهل هناك حسم عسكرى قادم، أم أننا أقرب إلى اختراق ومفاوضات تقود إلى وقف إطلاق النار والشروع فى حوار للخروج من المأساة؟
أسئلة كثيرة تستحق التفكير.