بقلم - عماد الدين حسين
مرة أخرى ساقنى حظى العاثر للتعامل مع مجموعة من الصنايعية خلال الأيام الأخيرة. حمام الشقة كان يحتاج لبعض الإصلاحات العاجلة. كنت أظن أن الأمر لن يستغرق دقائق حينما يلقى السباك نظرة ويصلح الأمر، لكن للأسف تبين أن العطل والخلل «هيكلى وبنيوى» ولابد من النسف لمعالحة جذور المشكلة.
السباك أصدر فرمانا بأن هناك مشكلة خطيرة فى «التصريف»، لن ينفع معها «التسليك» وبالتالى فالأفضل هو «تفوير» السيراميك لعمل «صرف» جديد.
أحضرت «نحاتا» لكى يقوم بتكسير البلاط، فأحضر معه مساعدا، فطلب رقم فلكى مقابل أن يكسر ما مساحته أقل من مترين فى متر ونصف المتر، خضعت مرغما لكن المفاجأة أنهم لم يلتزموا بنقل كل «الردش» إلى مقلب عمومى شرعى، وتركونى «لائصا».
جاء السباك واشترط أن تكون «أجرة يده» أو مصنعيته تساوى نصف قيمة المشتريات على الأقل فرضخت مرة أخرى، وكان طلبى الوحيد فقط أن يلتزم بالحضور فى المواعيد التى نتفق عليها. لكن للأسف الشديد لم يفعل. وبدلا من الحضور فى العاشرة صباحا كما اتفقنا حضر فى الواحدة ظهرا. وفى اليوم التالى حضر فى الثانية ظهرا، حاولت أن أناقشه لأفهم لماذا لا يلتزم بالوقت. فقال لى كلاما كثيرا خلاصته أنه يسهر كثيرا ولا يستطيع الاستيقاظ مبكرا وأن هذا هو السلوك الطبيعى لكل الصنايعية فى مصر وكان مندهشا من استغرابى!!. انتهى السباك مبدئيا من نصف عمله بإقامة «البنية التحتية»، وجاء دور أسطى «السيراميك» أو «المبلط» واتفقنا على الأجرة بسرعة، لكنه طلب ألا يعمل يوم جمعة، فى حين أنه اليوم الأساسى المتاح لى بدون التزامات خارجية. جاء مرغما، لكنه للأمانة حضر فى وقت مبكر، وظل يعمل حتى الثامنة ليلا تقريبا وبضمير يقظ.
فى اليوم التالى كان مفترضا حضور النقاش لكن كان لابد أن يحضر الكهربائى أولا. وطوال ٥ أيام كاملة ظللت أتصل به مرارا وتكرارا وهو يقدم لى أعذارا مختلفة. قلت له قل لى إنك لن تحضر، حتى أتفق مع كهربائى آخر، فقال لى سأتصل بك غدا. حينما جاء الغد توقف عن الرد على اتصالاتى وأغلق هاتفه، فاتفقت مع صنايعى آخر محترم أنجز المهمة فى أقل من ساعة.
جاء النقاش وأعطى لى وعودا براقة، ولم أطلب منه سوى الالتزام بما نتفق عليه خصوصا الوقت، فقال لى إنه جاد ومختلف عن الآخرين. لكنه فى النهاية كان أسوأ وأضل سبيلا من السباك. يأتى متأخرا جدا، ولا يلتزم بأى وعد فيما يتعلق بالوقت.
لا أكتب هذه الكلمات لأتحدث عن أسبوع العذاب الذى قضيته مع الصنايعية، بل لأجدد لفت النظر إلى ظاهرة خطيرة تتعلق بسلوكيات وثقافة عدد كبير منهم.
بالطبع لا أعمم وأتهم كل الصنايعية بذلك فهناك منهم الملتزمون بالكلمة والوقت، لكن الظاهرة خطيرة وتنتشر بقوة.
الأمر يتعلق أولا بغياب ثقافة الالتزام بالوقت تماما. وهو أمر شديد الأهمية فى أى مجال. ثانيا وهذا هو الأخطر، تراجع مستوى الكفاءة بين عدد كبير منهم، والسبب الرئيسى الذى صار معروفا هو التأثير المدمر لـ«التوك توك» الذى سحب عددا كبيرا من الحرفيين وجعلهم يستسهلون العمل السريع على التوك توك بدلا من العمل فى حرف النقاشة والسباكة والسيراميك والورش الحرفية المختلفة خصوصا ميكانيكا السيارات.
ثقافة الالتزام بالوقت منعدمة لدى قطاع كبير من الحرفيين. والأسوأ أن بعضهم يلتزم يوما، ثم يأخذ جزءا من أجره وبعدها ينقطع تماما عن العمل، ولا يعود إلا بعد أن «يفلس» وهكذا.
لا أعرف كيف نعالج هذه الظاهرة، هل عبر اتحاد الصناعات، أم اتحاد المقاولات أم عبر جمعيات أهلية لتنظيم دورات تدريبية وتثقيفية وتأهيلية لأكبر عدد من الصنايعية، لإعادتهم إلى مجد «الصنايعية» المصريين الذين اختطفتهم تركيا حينما احتلت مصر عام ١٥١٧، ليقيموا جزءا من نهضتها؟!
ربنا لا يضع أحدكم تحت رحمة هذا النوع من الصنايعية؟!