بقلم - عماد الدين حسين
تروج التقارير الصحفية الإسرائيلية والأمريكية فى الأيام الأخيرة خرافة واضحة تقول إن هناك خلافا كبيرا بين البيت الأبيض وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن كيفية سير الحرب التى يشنها الجيش الإسرائيلى على قطاع غزة.
بالطبع يستند هؤلاء إلى تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم الخميس الماضى بأن «أسلوب الرد الإسرائيلى فى قطاع غزة كان فوق الحد، وأن إدارته تدفع بقوة من أجل التوصل إلى هدنة تضع حدا للقتال وتتيح إطلاق سراح الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية للمدينة الفلسطينية».
يعتقد هؤلاء بأن ما قاله بايدن هو أعنف انتقاد أمريكى لإسرائيل منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة عقب عملية «طوفان الأقصى» للمقاومة الفلسطينية فى ٧ أكتوبر الماضى.
السؤال الطبيعى والمنطقى الذى يفترض أن يسأله أى مراقب موضوعى للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية وللموقف الأمريكى من التطورات التى أعقبت العدوان الإسرائيلى هو: هل هناك تناقض أمريكى إسرائيلى فعلا، وهل هناك خلافات، أم أنها مجرد اختلافات بسيطة فى وجهات النظر لا تتصادم مع التحالف المتين بين البلدين؟.
لست من أنصار نظرية الأبيض والأسود فى العلاقات الدولية أو حتى العلاقات الإنسانية، وأؤمن بوجود العديد من الألوان والدرجات المختلفة فى كل شىء تقريبا، لكن فيما يتعلق بالعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، فقد بت متيقنا أنها أكثر من مجرد زواج كاثوليكى، وتفهمت تماما الآن مقولة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حينما قبل على مضض وقف إطلاق النار بعد انتصار السادس من أكتوبر ١٩٧٣ واتفاقيات فض الاشتباك بأنه «يحارب أمريكا وليس إسرائيل فقط».
نظريا جيد أن يفيق بايدن ويكتشف أن الرد الإسرائيلى، قد تجاوز الحد، لكن لا شىء تغير على الأرض، والدليل أن بايدن بعد هذا التصريح بساعات قليلة أكد هو والمستشار الألمانى أولاف شولتز أنهما يؤيدان «حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس» وهذا التعبير هو المرادف الحقيقى لكلمة استمرار العدوان.
بايدن غاضب، ومن قبله قال بلينكن وزير وزير خارجيته أنه يحاول إقناع إسرائيل بحماية المدنيين الفلسطينيين لكن على الأرض فإنه لا شىء قد تغير. الدعم الأمريكى المطلق لإسرائيل مستمر فى كل المجالات.
مجلس الشيوخ الأمريكى أقر يوم الخميس الماضى مشروع قانون المساعدات الأمنية والذى يتضمن دعما لإسرائيل بـ١٤ مليار دولار، فى حين أن النواب الجمهوريين المؤيدين لترامب لا يريدون أن تتضمن الحزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة ٦١ مليار دولار، بل يكتفون بدعم إسرائيل فقط. وقبل هذا القرار بأسابيع تجاوز بايدن وإدارته الكونجرس وأرسلا أسلحة وذخائر عاجلة إلى إسرائيل، وهى نفس الأسلحة التى تقتل المدنيين الفلسطينيين وتهدم بيوتهم وتحولهم إلى نازحين فى بلدهم.
بايدن وإدارته استخدما الفيتو أكثر من مرة لمنع صدور أى قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
بل إن الولايات المتحدة تحارب عمليا بجوار إسرائيل حينما تقوم بشن الهجمات ضد أى قوة تحاول مساعدة الفلسطينيين، ولا ننسى أن واشنطن أرسلت حاملتى طائرات وسفينة نووية إلى السواحل الإسرائيلية حتى لا تدخل أى دولة لنجدة الفلسطينيين.
والحالمون كانوا يقولون إن بايدن لم يتصل برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو منذ أسابيع فى إشارة إلى غضبه منه، لكن هؤلاء لم يلحظوا أن الاتصال قد تم بالفعل يوم الأحد الماضى، وبعد أن كان بايدن وإدارته يعارضان اقتحام الجيش الإسرائيلى لرفح الفلسطينية على الحدود مع مصر، فقد تغيرت اللهجة وصارت الموافقة على دخول المدينة المكتظة بمليون ونصف المليون نازح فلسطينى لكن مع المحافظة على المدنيين!!.
كل ما سبق هو الواقع على الأرض وهو الأصدق، مقارنة بأى كلام معسول يقال.
لا نريد من الأمريكيين كلاما طيبا معسولا بل نريد منهم سلوكيات على الأرض.
الواقع الذى نراه يقول أن الإدارة الأمريكية شريك كامل فى العدوان الإسرائيلى، وغير ذلك كلام للتخدير والإلهاء فقط.