بقلم - عماد الدين حسين
هل يمكن الحديث عن مبادرات سياسية فى السودان تخرجه من أزمته المتفاقمة قبل أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار المشتعل منذ ١٥ أبريل الماضى؟!
أطرح هذا السؤال بمناسبة ما طرحه محمد حمدان دقلو «حميدتى» قائد ميليشيا «قوات الدعم السريع»، وردود رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق عبدالفتاح البرهان قبل أيام فى بورسودان، ثم كرره فى مدينة العلمين الجديدة خلال لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أول خروج له خارج بلاده منذ نشوب الصراع المسلح.
يوم الأحد الماضى طرح حميدتى ما أسماه مبادرة شاملة لحل سياسى تتضمن إقامة نظام ديمقراطى فيدرالى حقيقى قائم على تقاسم السلطات وتشاركها، وإقامة دولة المواطنة المتساوية والتعددية الديمقراطية، وبناء سودان على أسس جديدة، وأن تكون السلطة والنفوذ فى الدولة الجديدة لكل السودانيين، ولا يتمايز أحد عن الآخر إلا بما تسفر عنه الانتخابات العادلة والحرة، بحيث لا تشمل هذه الجمهورية الجديدة «المؤتمر الوطنى» وعناصر النظام القديم والمجموعات والشخصيات التى ظلت تعمل سرا وعلنا ضد التغيير والديمقراطية فى السنوات الماضية.
مبادرة حميدتى شددت على ضرورة تأسيس وبناء جيش سودانى جديد من الجيوش المتعددة الحالية، وبناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة وتعكس تنوع السودان فى قياداته وقاعدته وفقا للثقل السكانى، وتقوم بمهام حماية الدستور والنظام الديمقراطى، وتحترم المبدأ الثابت فى المجتمع الديمقراطى بخضوعها للسيطرة والإشراف المدنيين.
ما سبق جوهر مبادرة حميدتى وبالطبع فهناك انتقادات كثيرة ضدها خصوصا من القوات المسلحة السودانية وبعض القوى السياسية. وجوهر هذه الانتقادات يقول إنه يمكن تفهم أن تصدر بنود هذه المبادرة من قوى سياسية تؤمن بالديمقراطية شكلا ومضمونا، وليس فقط مجرد دغدغة لمشاعر القوى المدنية السودانية التى يحاول حميدتى منذ انقلابه على القوات المسلحة أن يجعلها فى صفه، ويصور نفسه باعتباره المدافع عن الديمقراطية، فى حين أنه كان الذراع الأساسية لعمر البشير فى منع الوصول لأى نظام ديمقراطى حقيقى، وحتى حينما تم إسقاط البشير، فإنه كان عمودا أساسيا فى منع اكتمال التحول الديمقراطى، وبالتالى يسأل هؤلاء: هل يمكن لأفكار ميليشيا قامت أساسا على فكرة الانقلاب، وكانت عاملا أساسيا ضد أى تحول ديمقراطى أن تتحول فجأة لتؤمن بالحريات والديمقراطية والتعددية، أم أن كل ما سبق مجرد ستارة وأقنعة للسيطرة الكاملة على السلطة؟!.
بعد ساعات من فرح هذه المبادرة كان الفريق عبدالفتاح البرهان يغادر الخرطوم فى أول تحرك له منذ ١٥ أبريل الماضى وتوجه إلى بورسودان على شاطئ البحر الأحمر.
البرهان وخلال تفقده لقاعدة فلامنجو البحرية بالبحر الأحمر أكد أنه لن يوقع أى اتفاق مع أى جهة خانت الشعب السودانى، وأن القوات المسلحة مستمرة فى حربها ضد الميليشيات المتمردة التى روعت المواطنين وانتهكت حرماتهم ونهبت أموالهم وممتلكاتهم. وأن الجيش والشعب يقفان صفا واحدا فى مواجهة الخونة والمرتزقة الذين قدموا من مختلف أصقاع الدنيا ومارسوا أبشع الجرائم بحق الناس، ونحن نقاتل وحدنا بلا ظهير، وأن الجهد ينصب نحو حسم المعركة مع العدو. مضيفا أن الحرب بدأت بكذبة وهى أن الميليشيا تقاتل الفلول والحقيقة أنها تحارب الجيش الوطنى الواحد.
البرهان أكد خلال كلمته فى «العلمين الجديدة» على البحر المتوسط أن الجيش لا يسعى للاستمرار فى الحكم ونسعى لانتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب ما يشاء.
إذن حميدتى طرح المبادرة والبرهان رد عليه فى بورسودان والعلمين، والسؤال. هل هذا كلام نهائى أم أن أى حرب لابد أن تنتهى فى وقت ما سواء بالحسم العسكرى أو طاولة المفاوضات؟. وبالتالى نسأل مرة أخرى: كيف يمكن لمصر أن تساعد السودان فى هذه الظروف الدقيقة حتى يتجاوز محنته ويعود قويا موحدا بجيش وطنى واحد وبلا ميليشيات وبحكومة مدنية تمثل عموم الشعب السودانى وتحظى برضا الأغلبية؟.