بقلم - عماد الدين حسين
ونحن نقترب من توقيع الاتفاق التكميلى الجديد مع صندوق النقد الدولى أتمنى أن تصر الحكومة المصرية على مطلبها، وهو ألا يكون هناك تخفيض أو تحريك أو تعويم أو تحرير لسعر وقيمة الجنيه، إلا بعد أن تتسلم المبالغ الدولارية المحددة والمتفق عليها نقدا وعدا وكاشا. وألا تقبل تحت أى ظرف من الظروف أن تخفض قيمة الجنيه أولا ثم تنتظر وصول الشرائح المختلفة من القرض.
وأتمنى ألا تفعل ذلك فى كل الأحوال إلا فى إطار رؤية وخريطة طريق واضحة تقود إلى حل المشكلة من جذورها وليس ترحيلها لفترة قريبة قادمة.
جربنا قبل ذلك حينما وقعنا الاتفاق السابق مع الصندوق قبل نحو العامين أن نعوم ونحرك ونخفض الجنيه أولا ثم تأتى إلينا الأموال.
ونعلم جميعا أن النتيجة كانت مأسوية وكارثية.
المسألة باختصار أن أحد تداعيات انهيار الجنيه المصرى أمام الدولار هو أن السوق فقدت الثقة إلى حد كبير فى قدرة الجنيه على الصمود. وبالتالى، فمن المهم أن تكون التدفقات الدولارية متاحة مع الحكومة أولا، ومضمونة تماما فى يدها قبل أن تقدم على اتخاذ أى قرار بالتخفيض أو التحريك أو أى قرار فى إطار ما صار يعرف بمرونة سعر الصرف وليس التعويم الكامل بل ربما المدار.
سمعت من مسئول مهم وكبير جدا قوله إننا نحتاج إلى وجود ٣ مليارات دولار حرة فى يد محافظ البنك المركزى حسن عبدالله، كى يضبط سوق الصرف، بشرط ألا يكون هذا المبلغ خاصا بأى بند من البنود الأساسية مثل استيراد السلع أو الأدوية أو سداد أقساط الديون. بل فقط لضبط السوق وإعادة الثقة إلى كل ما هو رسمى وأن يقتنع المصريون أفرادا ورجال أعمال وشركات بإعادة وضع دولاراتهم فى البنوك المصرية، وأن يحول المصريون العاملون فى الخارج أموالهم عبر البنوك الرسمية.
وبالطبع لن يتحقق أى من ذلك إلا حينما تعالج الحكومة جوهر الأزمة وهو إتاحة الدولارات فى البنوك، ليحصل عليها كل من يحتاجها لتلبية استيراد كل ما هو ضرورى فقط، وليس بالطبع لأولئك الذين يريدون استيراد أى سلع غير أساسية أو الذهاب للتنزه والسياحة.
نحتاج أن تكون الدولارات موجودة فى يد البنك المركزى قبل تخفيض قيمة الجنيه وتطبيق الاتفاق الجديد مع الصندوق، بحيث إنه عندما يذهب أى شخص للبنوك يجد ما يحتاجه.
لكن لو حدث العكس، وذهب المواطنون والمستثمرون والتجار ورجال الأعمال للبنوك وطلبوا فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد أو لأى غرض أساسى مثل التعليم أو العلاج ولم يجدوا الدولارات، فالنتيجة المنطقية هى زيادة سعر الدولار مرة أخرى وانهيار سعر الجنيه، وبالتالى نكون كمن حرق الوقود فى الهواء مجانا ومن دون أى فائدة. وإذا تكرر ذلك مرة أخرى فقد لا يكون مفاجئا لو وصل سعر الدولار إلى مائة جنيه، لا قدر الله، فى حين أن وجود الحصيلة الدولارية الكبرى فى يد البنك المركزى ستمكنه من تخفيض سعر الدولار واستعادة الثقة فى الجنيه والبنوك الرسمية بدلا من زيادة التضخم وهو مرتفع أساسا.
وقد سمعت مسئولا مهما يقول إن توفر السيولة الدولارية الكافية فى يد البنك المركزى أولا ستجعله يضبط سوق الصرف خلال أسابيع قليلة وليس شهورا.
لو أن صندوق النقد والولايات المتحدة يريدون مساعدة مصر فعلا كما يقولون فى الأيام الأخيرة، فالمطلوب أن تتم الموافقة على المطالب المصرية، وأن يتم إحداث المرونة فى سعر الصرف بصورة متدرجة بحيث يكون الهدف الفعلى هو تخفيض معدل التضخم بالأساس وليس قتل الجنيه حتى تنخفض الأسعار ويعود الاقتصاد المصرى إلى طريقه الصحيح!
نحتاج من الصندوق إلى سرعة التوقيع على الاتفاق الجديد وسرعة صرف الشرائح المتفق عليها معه، ومع «شركاء التنمية»، لأن كل يوم تأخير فى ظل المضاربات الخطيرة التى تتم فى سعر الدولار. لا يدفع ثمنها إلا الاقتصاد المصرى، وبالأحرى المواطنون المغلوبون على أمرهم. ولا يستفيد منها إلا المضاربون والمحتكرون وكل من يحركهم، وكل من لا يريد الخير لهذا البلد.
جربنا التخفيض والتحريك والتعويم «على الناشف» فكانت النتيجة كارثية، وبالتالى نرجو من مفاوضينا مع الصندوق ألا يكرروا الأمر مرة ثانية، لأن الأوضاع بصراحة لا تتحمل المزيد من التجريب.