بقلم - عماد الدين حسين
«انظروا إلى خريطة مصر، وإلى موقعها وجوارها الملتهب لتعرفوا قيمتها وأهميتها».
هذه العبارة قالها دبلوماسى أوروبى قابلته فى بروكسل ضمن العديد من المسئولين فى الاتحاد الأوروبى التقياناهم نحن الوفد الصحفى المصرى فى الأسبوع قبل الماضى على هامش اجتماع مجلس الشراكة المصرى الأوروبى، والذى يفترض أن يترجم هذا التطور فى العلاقة إلى اتفاق شراكة شاملة خلال أسابيع.
غالبية من قابلناهم يعرفون قدر مصر جيدا. بعضهم يقدرها انطلاقا من حضارتها العظيمة، والبعض الآخر يضيف إلى العامل الحضارى الأهمية الاستراتيجية لموقع مصر المتميز جغرافيا.
الدبلوماسى الأوروبى قال لى بوضوح إن التطورات التى تشهدها المنطقة تبرهن على أهمية مصر ودورها، وضرورة أن تقدر أوروبا ذلك.
من يتأمل الخريطة سيكتشف أن مصر تحتل جانبا كبيرا من ساحل البحر الأبيض المتوسط المواجه للقارة الأوروبية فى اتجاهها الجنوبى. ومن الشمال تجاورها فلسطين المحتلة وإسرائيل، والدولتان تطلان أيضا على البحر المتوسط فى مواجهة أوروبا.
أما من الجنوب فهناك السودان المشتعل بالحرب الأهلية بين «الجنرالين» ومن الغرب ليبيا التى لديها سواحل طويلة على المتوسط فى مواجهة أوروبا، ومن الشرق هناك البحر الأحمر الذى تمر منه ١٥٪ من التجارة العالمية ويذهب معظمها إلى أوروبا قادما من الصين، ودول جنوب شرق آسيا.
هو يشرح وجهة نظره تفصيلا بقوله أن الأهمية زادت فى الفترة الأخيرة بعد أن اشتغلت الأزمة فى السودان بالصراع الدامى بين رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وقائد ميليشيات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وهى أزمة تؤثر على مصر بقوة، لكنها تؤثر على أوروبا أيضا لأن السودان دولة مهمة، ومترامية الأطراف ولديها حدود مع العديد من الدول، والملايين من مواطنيها فروا من الحرب إلى دول الجوار خصوصا مصر، وبالتالى فهناك احتمال كبير أن يحاول بعضهم دخول دول الاتحاد الأوروبى بالطرق غير الشرعية.
الأمر نفسه ينطبق على ليبيا مع الفارق خصوصا فى ظل وجود حكومتين وجيشين، والعديد من الميليشيات المسلحة. ليبيا تقع على الضفة الجنوبية من المتوسط، وتشكو أوروبا من أن سواحلها تحولت إلى أهم نقطة ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين إليها.
وبالطبع فإن عدم الاستقرار فى ليبيا يلقى بظلاله الكثيفة على مصر.
مصر تجاور فلسطين وهى التى تتحمل العبء الأكبر فى محاولة وقف العدوان الإسرائيلى على غزة المستمر منذ ٧ أكتوبر الماضى، والدور المصرى فى إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مقدر تماما أوروبيا، بل إن العديد من المراقبين الأوروبيين يرون أن مصر هى التى تمنع عمليا حتى الآن انفجار الوضع فى المنطقة.
أخيرا حدث تطور مهم فى الأسابيع الأخيرة وهو اشتعال البحر الأحمر بالصدام الكبير بين الولايات المتحدة ومعها بعض البلدان الغربية وبين جماعة الحوثيين التى تهاجم السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
المسئول الأوروبى يقول إنه يخبر العديد من زملائه فى الاتحاد دائما بضرورة تأمل موقع مصر على الخريطة جغرافيا، وبالتالى سوف يكتشفون أنها واحدة من أهم الدول المفيدة للاتحاد الأوروبى، لأنها باختصار تطفئ العديد من الحرائق المشتعلة فى المنطقة ولولاها ربما لدفع الاتحاد الأوروبى ثمنا كبيرا بسبب أحزمة النار التى تحيط بمصر من كل الجهات.
الدبلوماسى الأوروبى يقول إن حزام النار الذى يحيط بمصر من كل الجهات تقريبا هو الذى يزيد أهميتها فى نظر أى مراقب منصف. ولأنها صارت الدولة الوحيدة المستقرة وسط بحر من الاضطراب فإن أهميتها زادت كثيرا خصوصا بالنسبة للقارة الأوروبية، التى يهمها أن تظل مصر مستقرة لأنه ــ لا قدر الله ــ فى حالة دخولها فى الحالة التى تمر بها غالبية بلدان المنطقة فإنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بشكل المنطقة.
الدبلوماسى الأوروبى يقول إنه ليس حالما، ورغم أنه محب لمصر، لكن على المستوى العملى تهمه مصلحة أوروبا أيضا، وبالتالى وجب على جميع بلدان الاتحاد الأوروبى أن تنظر إلى خريطة مصر جيدا، ثم نتخذ القرار الصحيح، وهو زيادة التعاون فى جميع المجالات خصوصا الاقتصادية ليس حبا فى مصر فقط، ولكن من أجل المصلحة العملية للاتحاد الأوروبى.
ختاما نتمنى أن يستمع الأوروبيون لمثل هذه الرؤية الأوروبية العاقلة. لأنه ورغم كل الكلمات الأوروبية الطيبة التى تقال علنا وفى الغرف المغلقة فإن حجم العلاقة لم يتم ترجمته بصورة صحيحة على أرض الواقع حتى الآن.