بقلم - عماد الدين حسين
أمس السبت مر ١٠٠ عام على مولد «الأستاذ»، وحينما تقال كلمة الأستاذ مجردة فى عالم الصحافة فلا يكون مقصودا بها إلا شخص واحد فقط هو محمد حسنين هيكل.
يندر وجود صحفى وإعلامى عربى لم يتأثر بهيكل بصورة أو بأخرى.
هيكل ترك بصمته الضخمة على عصر الصحافة العربية، منذ أن بدأ الكتابة أوائل الأربعينيات من القرن الماضى، وهذا التأثير لم ينته بوفاته فى فبراير 2016، بل استمر فعالا بصور كثيرة حتى يومنا هذا.
فى الشهور الأخيرة اكتشفت أن عددا من رواد ومستخدمى تطبيق التيك توك واسع الانتشار يقومون بمشاركة و«تشيير» الكثير من مقاطع لتصريحات الأستاذ هيكل، معظمها أظن أنه مأخوذ إما من سلسلة حواراته شديدة الأهمية مع الأستاذة لميس الحديدى على شاشة سى بى سى، أو فى حواراته المهمة جدا أيضا على شاشة قناة الجزيرة القطرية.
والملحوظة الأهم فى هذه المقاطع التى لا تزيد عن دقيقتين أو ثلاث فإن معظم ما تحدث به هيكل ما يزال طازجا ومرتبطا بالأحداث الجارية حتى الآن، وبالتالى يصبح السؤال المنطقى لماذا ذلك؟
الإجابة ببساطة أن هذا الرجل جمع ما لا يمكن لشخص واحد أن يجمعه أو يملكه فى عصر واحد وبكل هذه القدرة من الفهم والوعى والتأثير والبراعة.
هو كان صحفيا نابغا منذ بداية عمله فى الإيجبشيان جازيت عام 1942، وكان طبيعيا أن يكون معجبا ومفتونا بالكاتب الصحفى الأشهر وقتها وهو الأستاذ محمد التابعى.
وكان منطقيا أن تتخاطفه الصحف الكبرى فى هذا الزمان الذى شهد نهضة صحفية غير مسبوقة سواء بسبب العصر الليبرالى وقتها، أو بسبب وجود عمالقة صحافة كثيرين، أو بسبب الروح الوطنية الوثابة التى كانت تتوق وقتها إلى التحرر من ربقة الاستعمار البريطانى الذى كان جاثما على صدر الوطن منذ عام ١٨٨٢.
عمل هيكل رئيسا لتحرير الأخبار وآخر ساعة مع مصطفى وعلى أمين.
ثم تفاوض معه آل تكلا ليصبح رئيسا لتحرير الأهرام منذ عام ١٩٥٧، وحتى خروجه منها فى الأول من فبراير ١٩٧٤، بعد خلافه الشهير مع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات.
هيكل حوّل الأهرام من مجرد صحيفة عادية كانت تخسر ماليا، أو حتى صحيفة جيدة وسط صحف أخرى جيدة، إلى أهم صحيفة فى المنطقة العربية على الإطلاق، وكان الجميع ينتظر مقاله الأسبوعى الشهير «بصراحة» صباح كل جمعة لأنه كان يحوى معلومات وأفكارا وأخبارا جديدة مصحوبة بتحليل عميق لجميع المجريات المصرية والعربية والدولية.
نذكر جميعا أن بعضا من الصحفيين المصريين وقتها قالوا إن السبب الأساسى بل وربما الوحيد الذى جعل هيكل متميزا أنه كان قريبا ومقربا من الرئيس الأسبق جمال عبدالناصرفقط، وظلوا يرددون ذلك بطبيعة الحال بعد وفاة ناصر فى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ لكن فات هؤلاء أنه كان مقربا أيضا من السادات حتى خروجه من الأهرام، ومعظم هؤلاء أصيب بالصدمة لأن هيكل استمر متألقا ومؤثرا بعد وفاة عبدالناصر وبعد خروجه من الأهرام وبعد وفاة السادات ربما بصورة أكبر كثيرا حينما كان بجوار الرئيسين بل وحينما كان مغضوبا عليه حينما اعتقله السادات فى اعتقالات 5 سبتمبر الشهيرة.
لم ينطق أحد من هؤلاء فى محاولة تفسير هذه الظاهرة، ولم يشرحوا لنا لماذا ظلت كبريات الصحف العالمية من أمريكا إلى اليابان مرورا ببريطانيا يسعون وراء هذا الرجل لكى يحاوروه، ويكتب لهم، ويدفعون له ما لم يدفع لأحد من قبله فى المنطقة العربية بأسرها.
رحل الجميع ونسينا معظم هؤلاء الذين رحلوا إلا قليلا، ولم يعد معظمنا يتذكر إلا هيكل.
هل معنى كل ما سبق أن هيكل فوق مستوى النقد؟! الإجابة هى لا قطعا. ومن حق أى شخص أن يناقش أفكاره وكتاباته ومواقفه وأن يختلف أو يتفق معها، والبعض فعل ذلك بالفعل، لكن قلة قليلة جدا هى التى ناقشت واختلفت مع الرجل باحترام وتقدير وفهم، والبقية هاجموا وانتقدوا وسبوا وشتموا لكن طواهم جميعا النسيان وظل هيكل موجودا ومؤثرا لأنه كان مختلفا.
هو بنى نفسه واشتغل عليها جيدا وسلّح نفسه بكل الأدوات المتاحة وتجاوب مع عصره وفهم العالم فظل مؤثرا رغم رحيل جسده.