بقلم - عماد الدين حسين
نحتاج إلى نماذج كثيرة من نموذج السفير بدر عبدالعاطى فى العديد من الهيئات والمؤسسات العامة والخاصة والأهلية، حتى نستطيع أن نمر من الأزمات الكثيرة المحيطة بنا وننطلق إلى الأمام.
ترددت كثيرا قبل كتابة هذه الكلمات لأن السفير بدر عبدالعاطى صديق عزيز منذ أكثر من ١٢ سنة، لكنى حسمت أمرى وقررت الكتابة لأن الموضوع فعلا يتجاوز بكثير العلاقة الإنسانية والشخصية إلى ضرورة التعريف بهذا النموذج، فربما يفيد ذلك على المستوى العام.
أكتب عن بدر عبدالعاطى بعد أن رأيت همته وحماسته ووطنيته وغيرته على بلده فى أكثر من محطة وعاصمة على مدار سنوات متعددة.
النموذج الذى يمثله لم يعد موجودا بكثرة أمامنا، وإذا وجد فلا توجد آليات تسهل الوصول لهم والتعرف عليهم والاستفادة منهم.
بدر عبدالعاطى، مصرى أصيل وابن بلد حقيقى، ولد فى أسيوط لأسرة عادية وبسيطة جدا، شأن غالبية الأسر المصرية. كان متفوقا فى كل مراحل الدراسة، والتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وتخرج منها عام ١٩٨٧، ومنها أيضا حصل على الماجستير عام ١٩٩٩ والدكتوراة عام ٢٠٠٣.
قدم أوراقه للالتحاق بوزارة الخارجية عام ١٩٨٨، ولم يكن يعرف أى واسطة ذات شأن. وجاء ترتيبه الأول على دفعته.
عبدالعاطى ونظرا لكده وجهده وتفوقه ترك العديد من البصمات فى كل العواصم التى خدم بها خصوصا طوكيو وواشنطن ونيويورك وتل أبيب وبرلين وأخيرا بروكسل، إضافة للإدارات المختلفة فى وزارة الخارجية ومنها الشئون الأوروبية.
عرفت السفير عبدالعاطى فى أوائل عام ٢٠١٢، ثم ترسخت معرفتى به خلال وبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث أصبح متحدثا باسم وزارة الخارجية. وبسبب طبيعته الشخصية فقد أضاف للمنصب حماسا ومعرفة واشتباكا وتواصلا فريدا مع كل وسائل الإعلام المصرية والأجنبية فى أى وقت ليلا أو نهارا، خصوصا أن هذه الفترة شهدت أقصى درجات حرية وسائل الإعلام، والتى وصلت أحيانا إلى حد الانفلات الكامل.
فكرة هذا المقال تعود لسنوات حينما قابلت السفير عبدالعاطى فى العاصمة الألمانية برلين، بصحبة الصديقين محمود مسلم وعلاء ثابت، ويومها جاء إلينا مرهقا لأنه كان عائدا من رحلة استغرقت ساعات طويلة بالسيارة لإقناع شركة سياحة ألمانية كبرى باستئناف رحلاتها إلى المقاصد السياحية المصرية، وهو الأمر الذى تكرر كثيرا مع العديد من الشركات التى كانت قد أوقفت رحلاتها بعد سقوط الطائرة الروسية فوق شرم الشيخ فى أكتوبر ٢٠١٥.
لو عمل بدر عبدالعاطى وقتها بالطريقة الروتينية العادية لجلس فى مكتبه ورفع التقارير الباردة للوزارة.
لكن طريقة عمله تقوم دائما على التحدى وضرورة تحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على بلده ومصالحها.
وحينما قابلت وزير الخارجية السفير سامح شكرى فى بروكسل الأسبوع الماضى على هامش اجتماعات اللجنة المصرية الأوروبية المشتركة، وكان ذلك فى وقت متأخر من الليل قال الوزير: «السفير بدر أرهقنى طوال اليوم، رتب لى إفطارا جماعيا مع ٢٥ وزير خارجية أوروبى، والعديد من الاجتماعات مع كبار المسئولين فى الاتحاد الأوروبى». الوزير كان يتحدث مشيدا ومعجبا بأداء وجهد بدر عبدالعاطى، وهو الأمر الذى لمسته من الحديث مع أكثر من مسئول من الاتحاد الأوروبى خلال الرحلة، ويفترض أن نرى جانبا من نتائج هذا الجهد الذى بذله عبدالعاطى، فى إطار الجهد الأكبر للوزير سامح شكرى وكبار مسئولى الوزارة المسئولين عن ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبى.
ما يميز عبدالعاطى عن كثيرين أنه أصيل وحقيقى وليس مدعيا أو مزيفا، قلبه على بلده فعلا، ويبذل كل الجهد من أجل أن يكون عمله وأداؤه على أكمل وجه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعمل فيها كل السفارات المصرية فى الخارج، مقارنة بالعديد من سفارات المنطقة العربية مثلا، ولا يعرف كثيرون أن السفراء المصريين ينفقون من مرتباتهم الخاصة على كثير من الأنشطة العامة والضرورية مثل الاحتفال بالعيد الوطنى أو حفلات العشاء للضيوف.
مرة أخرى أكتب عن نموذج بدر عبدالعاطى لأن الظروف الصعبة التى نعيشها تحتاج إلى العديد من أمثال هذا الرجل الصعيدى فى كل المجالات، وليس إلى النماذج الروتينية أو الرسمية أو المتأنقة أو التى ترى فى المنصب طريقا للوجاهة والمنفعة والتباهى، دون أن تترك أى بصمة.
نعانى كثيرا من غياب الكوادر المتخصصة والمثقفة ذات الكفاءة والمتفانية. علينا أن نبحث عنهم فى كل مكان ونجعلهم يتصدرون الصورة لأن أمثالهم هم الذين يمكن أن يساعدونا فى الخروج من الأزمات الكثيرة التى تواجهنا.