بقلم - عماد الدين حسين
جريمة الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوير الحالى، وبلغت ذروتها فى مذبحة مستشفى الكنيسة الأسقفية «المعمدانى» فى غزة، أعادت تذكير الجميع بحقيقة الوجه الأكثر بشاعة لإسرائيل، والتى حاولت بكل الطرق إخفاءه فى السنوات والعقود الماضية.
قد يستغرب البعض إذا قلت إن العدوان الإسرائيلى الوحشى والدموى واللاإنسانى بحق الشعب الفلسطينى عموما وسكان غزة خصوصا، أعاد تذكير البسطاء والسذج والمخدوعين وحسنى النية بالطبيعة العنصرية الفاشية لهذا الكيان الصهيونى.
لكن الأهم أننى ــ وغيرى كثيرون ــ قلق جدا من أن معظم الأجيال العربية الجديدة لا تعرف حقيقة هذا الكيان الإرهابى بفعل موجات التضليل وغسل المخ التى تعرضوا لها طوال العقود الماضية.
ومن باب السخرية فمن واجبنا أن نوجه الشكر لإسرائيل وعدوانها على أنها تكفلت بحل هذه المشكلة الصعبة بصورة لم نحلم بها، ونسفت فى أسبوعين ونصف فقط حتى الآن، ما بنته طوال ٤٦ سنة هى المدة الزمنية منذ زار الرئيس المصرى الأسبق أنور السادات القدس المحتلة فى ١٧ نوفمبر ١٩٧٧ وحتى بدء العدوان الوحشى والهمجى الإسرائيلى على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر الحالى، وربما ما بنته منذ النكبة عام 1948.
ما بين هذين التاريخين محاولات إسرائيلية كثيرة مدعومة أمريكيا وأوروبيا لتجميل وجه إسرائيل، وتصويرها كحمامة سلام وديعة تخشى الذئاب الكثيرة التى تحيطها فى هذه المنطقة العربية!
إسرائيل كانت تروج لنفسها بأنها واحة من الديمقراطية وسط غابة من الاستبداد العربى، والمؤسف أن الغرب صدق هذه الكذبة ولا يزال. والأكثر أسفا أن بعض المواطنين بل والمثقفين العرب صدق ذلك أيضا.
لا نقول إن الوطن العربى يعيش فى واحة من الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمؤكد أن إسرائيل توفر لبعض مواطنيها من اليهود الأوروبيين «الأشكناز» قدرا لا بأس به من الديمقراطية على الطريقة الغربية، لكن جوهر هذه الديمقراطية غائب وفارغ تماما، حينما يتعلق الأمر ليس فقط بالمواطنين العرب، بل باليهود الذين تم جلبهم من أماكن مختلفة مثل يهود الفلاشا الإثيوبيين وبعضهم تظاهر كثيرا احتجاجا على ظروفهم المعيشية بعد أن ظنوا أنهم جاءوا إلى الجنة الموعودة أو أرض الميعاد!
الأجيال الجديدة من العرب لا تعرف كثيرا عما ارتكبته إسرائيل من مجازر ومذابح منذ زرعها فى المنطقة عام ١٩٤٨ من اول مذبحة دير ياسين وحتى مذبحة كنيسة المعمدانى قبل أيام.
معظم الأجيال الحديدة تعرف عن إسرائيل أنها بلد متقدم خصوصا فى مجال التكنولوجيا والصناعات العسكرية وهو كلام صحيح بالطبع لا ننكره، لكن هذه الأجيال لم تتعلم فى المدارس والجامعات ووسائل الإعلام أن خلف هذا الوجه الإسرائيلى البراق الملىء بالمساحيق الكثيفة هناك وجه بائس مشوه وشديد القبح.
وبالتالى فإن هذه الأجيال التى كان بعضها ينظر لإسرائيل نظرة إعجاب، فوجئ بالوجه الأكثر بشاعة لإسرائيل، خصوصا حينما وصف وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت الفلسطينيين بأنهم حيوانات.
الأجيال العربية الجديدة اكتشفت أن الإسرائيليين لا ينظرون للفلسطينيين على أساس أنهم يستحقون الحياة أصلا، ولذلك قال جالانت أيضا فى اليوم الأول للعدوان: «لا غذاء ولا دواء ولا وقود ولا ماء للفلسطينيين» وهو ما يعنى الحكم بإعدامهم جوعا وعطشا لمن لا يموت بالقصف الإسرائيلى.
الأجيال الجديدة اكتشفت حقيقة الوجه الإسرائيلى الذى حاول كثيرون إخفاءه طوال الـ٤٦ سنة الماضية، وبالتالى فإن ما خسرته إسرائيل فى هذا العدوان لا يعد ولا يحصى.
يمكننا القول بثقة مطلقة إن الخسارة الإسرائيلية استراتيجية فيما يتعلق بهذه النقطة، وهو أمر كان يتطلب جهدا ووقتا ومالا كثيرين للوصول إليه، لكن الحماقة الإسرائيلية ــ وربما الأفضل القول ظهور الوجه الحقيقى لإسرائيل ــ أغنتنا كثيرا عن بذل كل الجهد والوقت والمال.
العدوان الإسرائيلى المستمر أدى إلى كوارث كثيرة فى الأرواح والعتاد، لكنه أيضا كشف لنا حقيقة السياسات الإسرائيلية وجوهرها المعادى لكل ما هو إنسانى.