بقلم - عماد الدين حسين
لنفترض نظريا أن إسرائيل تمكنت ـ لا قدر الله ـ من القضاء التام على كل حركات المقاومة فى غزة وأذرعها العسكرية والسياسية بما فيها حماس والجهاد والجبهة الشعبية وكتائب شهداء الأقصى، وبقية المقاومين ولنفترض أيضا أنها فعلت نفس الشىء مع كل المقاومين فى الضفة الغربية والقدس الشرقية. لنفترض حدوث كل ذلك.. كما تحلم إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والعديد من الحكومات الأوروبية.
لن أسأل وأقول: أليس هناك قوانين وأعراف دولية تقول إنه يحق لسكان أى أرض محتلة أن يقاوموا المحتل بكل الوسائل المتاحة؟!
أليس هذا هو القانون الدولى أو ما تقره قوانين الأمم المتحدة نفسها وكل الشرائع الدولية والمنطقية والإنسانية؟!
لن أكرر هذا السؤال ولكن أكرر السؤال الذى بدأت به ماذا لو تمكنت إسرائيل من القضاء على كل حركات وتنظيمات المقاومة الفلسطينية ليس فقط فى غزة، ولكن فى الضفة الغربية المحتلة؟!
أستغرب وأندهش أن الإسرائيليين يفترض أنهم يعرفون الإجابة الصحيحة، لكنهم يسوفون ويؤجلون ويماطلون ظنا أنهم سينجحون فى تغيير قواعد وأحكام التاريخ وسنة الحياة منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وهو ما لم يفعله أحد من قبلهم.
تزعم إسرائيل دائما أن المشكلة فى حماس والجهاد وأذرعها المسلحة، وتصدقها فى ذلك حكومات غربية منحازة على رأسها الولايات المتحدة.
لكن المشكلة الحقيقية التى لا تريد إسرائيل أن تصدقها هى أنه فى اللحظة التى ستتمكن فيها إسرائيل من القضاء على كل فصائل المقاومة بتعدد أسمائها فإن مقاومة أخرى سوف تتشكل، إن لم يكن اليوم فسيكون غدا.
كل أنواع الاحتلال قمعت كل حركات المقاومة ظنا أن ذلك سيجعل الشعوب تقبل هذا الاحتلال وتتعامل معه باعتباره وضعا طبيعيا.
لن أتحدث عن الاحتلال الإنجليزى لمصر والهند والجزيرة العربية ومناطق أخرى ثم «حمل عصاه على كاهله ورحل»، ولكن سوف أتحدث عن أسوأ نوعين من الاحتلال عرفهما التاريخ الحديث وهما الاحتلال الفرنسى للجزائر من عام ١٨٣٠ وحتى ١٩٦٢، وخلالها اعتبرت فرنسا الجزائر جزءا من الأراضى الفرنسية ما وراء البحار وقتلت أكثر من مليون جزائرى، لكنها فى النهاية أرغمها شعب المليون شهيد على الرحيل.
والاحتلال الثانى هو ما فعله الحكم العنصرى فى جنوب إفريقيا لقرون. وفى النهاية أيضا سقط هذا الاحتلال لأنه ضد منطق الطبيعة والتاريخ.
مرة أخرى قد تنجح آلة البطش الإسرائيلية المدعومة أمريكيا من القضاء على المقاومة الفلسطينية الحالية.
لكن المؤكد أن أبناء وأقارب الشهداء والمصابين والنازحين سيكبرون غدا ويواصلون المقاومة، بل إن حتى الأجيال الفلسطينية الجديدة التى لم يسقط لها شهداء، سوف يقاومون الاحتلال، لأنه لا يمكن لاحتلال أن يستمر.
وقد يقول الإسرائيليون إننا سنطرد كل الفلسطينيين من غزة إلى مصر ومن الضفة إلى الأردن، وحتى إذا تحقق ذلك فعليا وهو أمر شبه مستحيل فإن الفلسطينيين لن يسكتوا، ودول الجوار لن تتحمل هذا الأمر، وستبدأ جولة جديدة من الصراع العربى الإسرائيلى تتشابه ـ مع الفارق ـ مع ما كان موجودا قبل توقيع اتفاق السلام المصرى ــ الإسرائيلى عام ١٩٧٩.
إجبار الإسرائيليين للفلسطينيين على الرحيل من غزة والضفة سيعنى عمليا قطع العلاقات الإسرائيلية مع كل من مصر والأردن.
ثم إنه وحتى إذا تمكنت إسرائيل من القضاء على كل الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين التاريخية فإن تجربة العدوان الإسرائيلى المستمر منذ ٧ أكتوبر الماضى، تقول إن هناك ملايين العرب والمسلمين لن يقبلوا بهذا البطش الإسرائيلى المدعوم أمريكيا.
وبالتالى فإن كل أنواع القهر والبطش والعدوان الإسرائيلى للفلسطينيين والعرب هذه الأيام سوف ينتج معادله الموضوعى، إن لم يكن اليوم فغدا، وهذا الأمر من الواضح أن إسرائيل وأمريكا لم تفكرا فيه جيدا.
خلاصة الأمر أن أى شعب محتل هو الذى يحق له المقاومة والدفاع عن النفس، وليس قوة الاحتلال كما تحاول إسرائيل والغرب أن يوهموا العالم بذلك.