ما الذى يجعل بعض الحجاج المسلمين وهم فوق جبل عرفات أقرب إلى الروح والسلوكيات المثالية، لكنهم لا يواصلون ذلك حينما يعودون لممارسة حياتهم العادية؟
وما الذى يمنع البلدان الإسلامية من الاستفادة من الطاقة الهادرة والجبارة لهؤلاء الحجاج المسلمين من أجل تقدم هذه الدول ورفعتها؟
أطرح هذه الأسئلة بعد أن أكرمنى الله ووقفت فوق جبل عرفات مؤديا فريضة الحج، وقد رأيت هذه الروح الطيبة تتجلى بين عموم الحجاج بشكل عظيم.
فى نهار يوم عرفة تجولت بين شوارع جبل عرفات المختلفة حتى وصلت إلى جبل الرحمة، الذى خطب عليه الرسول الكريم يوم حجة الوداع.
فى كل مشاهداتى، رأيت الصورة المثلى التى يفترض أن يكون عليها المسلم، بل الإنسان بصفة عامة. الهدوء والسكينة والدعاء والإيثار والكرم والشهامة وإغاثة الضعيف والفقير والمحتاج ونجدة الملهوف.
رأيت حجاجا كثيرين يقدمون زجاجات المياه والعصائر وأنواعا مختلفة من المثلجات والمياه الغازية ووجبات طعام ومظلات للوقاية من الشمس، مجانا، للحجاج وأظن أنها تفيض عن حاجة كثيرين.
والسؤال ما الذى يمنع هؤلاء أو بعضهم عن الاستمرار فى ممارسة نفس السلوك طوال الوقت، وليس فقط فى يوم عرفة وبقية أيام الحج؟
لو أن هؤلاء الحجاج أو معظمهم استمروا فى ممارسة نفس السلوك طوال حياتهم، فأغلب الظن أن الأمة الإسلامية سوف تكون فى مستوى متقدم جدا عما هى عليه الآن.
لا أعمم وأقول إن هذا التناقض موجود فى كل البلدان الإسلامية، لأن هناك العديد من البلدان دمجت القول بالفعل وحققت طفرات متنوعة علمية واجتماعية واقتصادية، بل وإنسانية ملحوظة. وبلدان أخرى صارت فى مصاف الدول الكبرى وأعضاء فى مجموعة العشرين الأكثر غنى. لكن أنا هنا أتحدث عن بقية الدول التى لم تستطع غالبية حكوماتها ومواطنيها دمج القول بالفعل.
النقطة الثانية تتعلق بكيفية الاستفادة من هذه القوة الهادرة والروح الوثابة الموجودة لدى الحجاج. وهذه النقطة لفت نظرى لها صديق عزيز مهموم بأحوال المسلمين وتخلفهم فى كثير من المجالات. هو يعتقد أنه لو تمكنت المجتمعات الإسلامية من استغلال هذه القوة الهادرة الروحية والعملية والإنسانية لحققت تقدما كبيرا فى النمو والازدهار.
كيف يمكن فك التناقض بين هذه الطاقة الهادرة والروح المتوثبة والكرم والإقدام والشجاعة والتحمل، وبين ما يسود العديد من المجتمعات الإسلامية من تخلف وتأخر وكسل وخمول وفقر؟!
المؤكد فى الإجابة عن السؤالين أن هناك جانبا يتحمله الفرد وجانبا آخر تتحمله الحكومات والمجتمعات.
الفرد أو الحاج مطلوب منه أن يكون سلوكه فى الحج مماثلا أو ــ على الأقل ــ مقاربا لسلوكه فى الأيام العادية، سواء فى تعامله مع أسرته أو عمله أو مجتمعه.
مطلوب منه أن يضرب المثل الأعلى فى كل شىء لا ينبغى لحاج مثلا أن يعطل مصالح الناس بحجج واهية أو يطلب منهم مقابل أداء عمل يتقاضى عنه أجرا بالفعل.
وتتحمل المجتمعات والحكومات مسئولية مهمة تبنى سياسات تستغل هذه القوة والطاقة الهادرة لمصلحة عموم الناس فى هذه البلدان. وهذا جانب مهم، لأنه سيؤدى إلى شيوع روح العمل والنظام والمسئولية ومحاربة كل المظاهر السلبية التى ينهى عنها ديننا الحنيف.
أتمنى أن تتطابق سلوكياتنا فى الحج، مع سلوكياتنا فى الأيام العادية.
ومرة أخرى عيد مبارك وسعيد للجميع فى مصر والدول العربية والإسلامية وسائر بلدان العالم.