بقلم - عماد الدين حسين
مساء يوم الأربعاء الماضى شاركت فى حلقة نقاشية مهمة فى برنامج «المشهد» الذى يقدمه الإعلامى نشأت الديهى على قناة «تن» بمشاركة مجموعة من الخبراء، هم اللواء خالد عكاشة والدكتور محمد كمال والوزير السابق حلمى النمنم وأسامة سرايا والنائب محمود القط.
العنوان العام للنقاش عما يدور من مناقشات وجدالات فى جلسات الحوار الوطنى خصوصا جلستى يوم الأحد قبل الماضى فى لجنة الأحزاب عن حقوق الإنسان وعن أحوال الأحزاب ودمجها وعن حرية الرأى والتعبير.
جزء كبير من النقاش دار حول الأخطاء والتجاوزات التى ترافق أحيانا ممارسة حرية الرأى والتعبير، وقلت بوضوح إننى مع أكبر قدر ممكن من حرية الرأى والتعبير المسئولة والمنضبطة، فى إطار القانون والدستور.
رأيى الواضح أن حرية الرأى والتعبير مهمة وضرورية وحيوية للمجتمع بأكمله من أصغر مواطن إلى رئيس الجمهورية، وهى ليست ترفا. لأنها ببساطة يمكن أن تقاوم وتمنع تحول دور إنفلونزا بسيط جدا إلى مرض سرطان فتاك وشرس، وبالتالى فهى أفضل جهاز مناعة كامل وحقيقى لجسد المجتمع بأكمله. سيعترض البعض متسائلا: ولكن هناك أعراضا جانبية كثيرة وربما مضرة لهذا الدواء، مما قد يسبب بعض المشاكل للمجتمع.
ورأيى المتواضع أن هذه الأعراض ستكون موجودة بالفعل، وقد تسبب ألما كبيرا للكثيرين لكنها لا تقارن بحالة التعافى التى ستحدث للبلد بأكمله. وبالتالى فالمعادلة التى علينا أن نتأملها ونتدبرها هى: أيهما أفضل: أن يكون لدينا مجتمع حيوى متعاف سليم يتحدث ويتناقش ويتجادل تحت سقف الوطن والقانون والدستور، ويشهد خلال هذا الحديث بعض الخروج عن النص أحيانا، أم مجتمع يمنع الجدل والنقاش فى سبيل ما يعتقد أنه حماية له من الميكروبات والفيروسات؟
أعلم تماما أن هناك من يتربص بهذا البلد ولا يريد له تعافيا أو تقدما، سواء كان هذا المتربص جماعات ظلامية أم أجهزة وقوى دولية أم دول وكيانات إقليمية وعالمية.
وبالتالى فما أدافع عنه تماما هو أهمية وجود حرية تعبير مسئولة ومنضبطة تطبق تماما ما جاء فى المادة ٦٥ من الدستور والتى تقول نصا: «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر».
أو ما جاء فى المادة ١٩ من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وجاء فيه نصا:
1. لكل إنسان الحق فى اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان الحق فى حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته فى التماس وتلقى ونقل المعلومات والأفكار من جميع الأنواع، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو بالطباعة أو فى قالب فنى أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها فى الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة.
وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن يجب أن تكون كما ينص عليها القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
(ب) لحماية الأمن القومى أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
انتهى الاقتباس وأعود وأكرر وأقول الحرية المنضبطة لأن العهد الدولى يقول بوضوح إنه لا توجد إطلاقا حرية منفلتة، بل يضع عليها شروطا وضوابط وقيود محددة حينما تتعارض هذه الحرية مع احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
لكن المشكلة تتعلق دائما بالتفسير الدقيق والمحدد والواضح لمفهوم الأمن القومى والنظام والصحة والآداب العامة، وكلما تمكن المجتمع من تضييق هذا التعريف كلما زادت مساحة التعبير عن الرأى والعكس صحيح.
لكن من المهم التأكد دائما على أن حرية الرأى لا تشمل من قريب أو بعيد السب والقذف والتحريض والتخريب وإثارة الذعر والهلع، وفى نفس الوقت لا يمكن أن نتحدث عن القيود والشروط فقط، وننسى أن الأصل هو الإباحة وحرية الرأى والتعبير.
بالطبع الأمر ليس مثاليا ونظريا لأن حرية الرأى والتعبير تتطلب أيضا وجود وعى ونضج وحياة سياسية مستقرة بها أحزاب وقوى سياسية قوية. وإعلام حر ومجتمع مدنى يقظ ورأى عام قادر على الفهم والفرز والتقييم الصحيح وبرلمان يعبر عن القوى الأساسية فى المجتمع.