بقلم - عماد الدين حسين
يوم الأحد الماضى كانت هناك جلستان مهمتان جدا فى المحور السياسى للحوار الوطنى الذى استأنف جلساته فيما تبقى من أعمال بعد أن رفع جزءا كبيرا من توصياته إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أسابيع قليلة.
جلستا يوم الأحد كانتا بعنوان: «قانون الأحزاب السياسية ــ الدمج والتحالفات الحزبية ــ الحوكمة المالية والإدارية ودور لجنة شئون الأحزاب». أما الجلسة الثانية فكانت عن «دعم وتشجيع حرية الرأى والتعبير» فى إطار لجنة حقوق الإنسان.
الجلسات شهدت نقاشات مهمة ومفيدة، لكنها فى بعض اللحظات كانت حادة وساخنة جدا لدرجة أصابت البعض بالقلق من هذا المناخ الذى قد يؤدى إلى ما لا تُحمد عقباه.
مساء الإثنين الماضى، كنت ضيفا على برنامج الأستاذ أحمد الطاهرى «كلام فى السياسة» على فضائية «إكسترا نيوز»، بصحبة الأساتذة المستشار محمود فوزى رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى وعضوى مجلس الأمناء د. محمد فايز فرحات وجمال الكشكى.
وتطرق النقاش إلى هذه النقطة وهل ينبغى أن نقلق أو ننزعج من هذه اللهجة التى سمعناها وتابعناها فى جلستى يوم الأحد الماضى ام لا.
وفى إجابتى قلت بوضوح إن علينا ألا نقلق إطلاقا مما دار فى هاتين الجلستين، بل أراه علامة صحة كبيرة فى المشهد السياسى المصرى ينبغى تطويرها حتى نصل إلى الممارسات السياسية الصحيحة التى نتمناها جميعا.
قلت أننا لم نكن نمارس السياسة منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢ لأسباب كثيرة منها التحديات التى واجهت البلاد خلال تلك السنوات وأهمها الإرهاب، وبالتالى وبعد تسع سنوات كاملة من تيبس وتكلس الحياة السياسية، بدأ الحوار الوطنى بين ممثلى الأحزاب والقوى السياسية الذين لم يمارسوا السياسة طوال تلك السنوات. ومن الطبيعى أن نجد بعض الحماس والسخونة والصراخ والصدام والاشتباك من بعض المشاركين فى الحوار الوطنى.
بالطبع قد يسأل البعض ويقول: وهل يصح أن تكون الممارسة السياسية بهده الحدة والسخونة التى وصلت إلى تبادل الاتهامات بين بعض المشاركين؟!
الإجابة هى أنه بالطبع لا يصح نظريا، ولكن طالما أننا لم نصل إلى الممارسة السياسية الصحيحة والرشيدة، فنحن عمليا فى مرحلة التجريب، حتى نصل إلى بداية الطريق الصحيح. وبالتالى علينا أن نتوقع بعض الممارسات الساخنة والانفعالات وكلها امور طبيعية فى المراحل الانتقالية.
ثم إن ما حدث يوم الأحد الماضى دليل جديد وعملى على أن هناك مناخا مختلفا صار موجودا فى الحوار الوطنى. ودليل على أن الدولة صارت راسخة وقوية وتتحمل آراء كثيرة مختلفة بديلا للصوت الواحد.
قد يختلف كثيرون على تقييم الحوار الوطنى حتى هذه اللحظة، لكن النقطة الأهم التى أتحدث عنها دائما هى الآتى:
أيهما أفضل: ألا تكون هناك حياة سياسية بالمرة، يجلس خلالها المعارضون من كل الأحزاب والقوى السياسية فى بيوتهم أو يتفرغون لأعمالهم الخاصة، أم أن يتناقشوا ويتحاوروا مع الحكومة بحثا عن أفضل صيغة ممكنة فى ظل الظروف المتاحة لحل المشاكل التى تواجهنا؟!
ظنى الشخصى ورغم المناخ الحماسى يوم الأحد الماضى فإن الجميع خرج كاسبا من أول المشاركين إلى القوى السياسية مرورا بالحكومة والدولة والمجتمع.
أن يكون هناك حوار حتى لو كان ساخنا وصداميا وجدليا أفضل مليون مرة من حالة التيبس والتكلس السابقة على بدء الحوار.
أن يكون هناك حوار ساخن تحت سقف واحد فى مصر، ويعبر كل شخص عن رأيه فى إطار القانون ويتابعه ويشاهده ويقرأه المصريون فى وسائل إعلامهم أفضل مليار مرة من أن تنقله وسائل إعلام أخرى قد تكون معادية أو متربصة أو ساذجة.
مرة أخرى علينا ألا نقلق من الحماس والانفعال وأن نتعلم كيفية ترشيد ذلك حتى نعبر المرحلة الانتقالية الحالية وصولا إلى التعددية الكاملة.