بقلم - عماد الدين حسين
ما هى آمال وطموحات قادة وحكومات مجموعة البريكس وهل تتمكن مثلا بعد أن صارت ١١ دولة أن تتخلص من هيمنة الدولار بعملات محلية قريبا، أو عملة موحدة وإقامة نظام عالمى جديد أكثر عدالة يتضمن وقف هيمنة الدولار وتسخيره لخدمة الاقتصاد الأمريكى على حساب غالبية بلدان العالم؟
هذا سؤال صار يتردد كثيرا، خصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الأمريكية الغربية غير المسبوقة على روسيا، وكذلك الحرب الاقتصادية والسياسية التى تشنها الولايات المتحدة وبعض حلفائها ضد الصين.
ما يجمع عليه الخبراء العاقلون أن التحولات الكبرى ــ خصوصا صعود وهبوط القوى العالمية ــ لا تتم بين يوم وليلة، بل هى أقرب ما يكون إلى دورة تراكمية كاملة قد تبدأ اليوم وقد تنتهى بعد عشرين أو ثلاثين عاما.
طبعا من حق قادة البريكس أن يطمحوا إلى إقامة نظام عالمى أكثر عدالة، خصوصا بعد التوسع الأخير بضم مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، لأن هذا التوسيع سيجعل التجمع يسيطر على ثلث الاقتصاد العالمى، وهو انتصار أكبر للصين التى تضغط لتوسيع سريع للمجموعة من أجل صياغة منافس أكبر لمجموعة السبع الكبرى.
المعروف أن حجم اقتصادات بريكس يبلغ ٤٤ تريليون دولار فى نهاية ٢٠٢٢، وهى تمثل ١٧٪ من التجارة العالمية و٢٧٪ من مساحة العالم و٤٠٪ من سكانه، وطبعا كل هذه الأرقام سوف تتغير للأعلى بعد التوسع.
ومن المعلومات المهمة أن الصين فى مقدمة مصدرى العالم بـ١٥٪ من إجمالى الصادرات والثانية من حيث الواردات بـ١١٪ وروسيا ثانى مصدر للوقود والأول فى الأسمدة، والهند رقم ٢١ عالميا فى الصادرات وتمثل وارداتها ١٧٪. وبالطبع مما يعزز من أهمية المجموعة أنها تتميز بتنويع الهيكل الإنتاجى، الذى يمنح الأعضاء فرصا كبرى للتجارة البينية وتكامل سلاسل التوريد والإنتاج.
وبتأمل بعض كلمات قادة البريكس خلال القمة الأخيرة التى انتهت فى جنوب أفريقيا يوم الخميس الماضى يمكن أن نكتشف الآمال والطموحات التى تراودهم.
الرئيس الصينى تشى جين بينج قال إن التوسع حدث تاريخى ونقطة انطلاق جديدة. هو خاطب العالم الثالث بالقول إن بلاده كانت وستظل جزءا من العالم الثالث. هو قال إنه سيتم إطلاق صندوق خاص بعشرة مليارات دولار لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية، الذى تم إطلاقه عام ٢٠٢١ لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسيتم تعزيز التعاون مع أفريقيا.
أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فقد دعا لإنشاء عملة مشتركة وآليات تسوية اقتصادية جديدة، وخاطب القمة عبر رابط فيديو من موسكو بقوله إننا سنواصل ما بدأناه ونوسع نفوذ بريكس فى العالم، وإن الاستثمار فى دول بريكس زاد ٦ أضعاف، والمجموعة تجاوزت مجموعة السبع من حيث القوة الشرائية.
لكن أهم ما قاله بوتين «أن الحد من استخدام الدولار صار أمرا لا رجعة فيه».
سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا ومستضيف القمة الأخيرة قال إن القادة كلفوا وزراء الخارجية بإعداد قائمة بالدول الشريكة الجديدة المحتملة، والأهم أنهم كلفوا وزراء المالية ومحافظى البنوك المركزية بإجراءات لتقليل اعتمادهم على الدولار الأمريكى بين اقتصاداتهم وتقديم تقرير بذلك فى العام المقبل. مضيفا أن هناك زخما عالميا لاستخدام العملات المحلية والترتيبات المالية البديلة وبالطبع فإن رامافوزا حاول طمأنة الغرب بالقول إن البريكس ملتزمة بالتعددية الشاملة ودعم القانون الدولى ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحل السلمى للنزاعات.
ومن الكلمات المهمة أيضا خلال القمة الأخيرة ما قاله الرئيس البرازيلى لولا دى سيلفا أن الأعضاء الجدد فى البريكس سيزيدون الناتج المحلى الإجمالى للمجموعة من ٣٢٪ إلى ٣٧٪.
والرئيس عبدالفتاح السيسى قال إنه يأمل فى تحقيق أهداف التجمع فى إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف التحديات والقضايا التنموية.
والرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى قال إن الانضمام سيعزز معارضة التكتل للهيمنة الأمريكية.
وقد تم توقيع اتفاقيات تيسير التحويلات النقدية فى خطوة قد تقود لتشكيل منظومة مصرفية موحدة، واتفاق لمد التسهيلات الائتمانية بالعملة المحلية، وخفض تكلفة التحويلات والاحتفاظ باحتياطات هائلة من العملات لمساعدة الدول إذا اقتضت الحاجة، والإعلان عن تشكيل مجلس الأعمال ووكالة تصنيف ائتمانى وبنك للتنمية وصندوق احتياطى خاص بالطوارئ وكل ما سبق فى حالة اكتماله سيشكل خطوة مهمة نحو تجنب هيمنة المؤسسات المالية الدولية الناتجة عن اتفاقيات بريتون وودز عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.
وللحديث بقية.