بقلم: عماد الدين حسين
أليس غريبا أن هناك دولا تشجع مواطنيها على المزيد من إنجاب الأطفال، ودول أخرى تحاول بكل الطرق تقليل الإنجاب؟!
يوم الخميس ١٨ أغسطس الماضى وقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مرسوما بإحياء جائزة «البطلة الأم»، وهى منح جائزة قدرها مليون روبل «١٦٥٠٠٠» ألف دولار للأمهات الروسيات اللاتى ينجبن عشرة أطفال، بمجرد أن يبلغ الطفل العاشر عامه الأول.
هذه الجائزة ابتكرها الزعيم السوفييتى الراحل جوزيف ستالين بعد الحرب العالمية الثانية، حينما انخفض عدد سكان الاتحاد السوفييتى بمقدار ٤٢ مليون نسمة، بسبب الحرب التى خسر فيها الروس ملايين الضحايا.
لكن الجائزة تم إلغاؤها مع انهيار الاتحاد السوفييتى عام ١٩٩١. ويتزامن إحياء هذه الجائزة مع الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك مع إحصائيات رسمية تقول إن عدد سكان روسيا البالغ حوالى 144 مليون نسمة يتقلص بشكل قياسى بما يصل إلى ٨٦٠٠٠ شخص فى الشهور الأخيرة، إضافة إلى مغادرة ٧٥٠٠٠ مهاجر من روسيا.
والمصادفة الغريبة أنه بعد قرار روسيا بيومين فقط فإن الصين أقرت تعديلا قانونيا يسمح للزوجين بإنجاب ثلاثة أطفال. ومنذ عام ١٩٧٨ وحتى عام ٢٠١٥ كانت الحكومة الصينية تلزم وتجبر الأسر على إنجاب طفل واحد، وكل من يخالف ذلك يدفع غرامات ضخمة حسب الوضع الاقتصادى للأسر، وقد تصل إلى ملايين الدولارات للأغنياء.
الحكومة قالت إن هذه السياسة منعت إنجاب أكثر من ٤٠٠ مليون نسمة فى بلد يصيل عدد سكانه الآن إلى أكثر من 1.4 مليار نسمة. وفى عام ٢٠٠٠ سمحت الحكومة للأسر بإنجاب طفل ثانٍ إذا كان الزوجان كلاهما وحيد أبويه، وفى عام ٢٠١٣ تم التخفيف قليلا بطفل ثانٍ إذا كان أحد الزوجين فقط وحيد أبويه. وفى عام ٢٠١٥ ألغيت سياسة الطفل الواحد نهائيا، التى تسببت فى زيادة أعداد كبار السن وتقلص الطاقات الشبابية.
لكن المفارقة أنه بعد إلغاء سياسة الطفل الواحد فضلت كثير من الأسر عدم إنجاب الطفل الثانى لأنها تعودت على ذلك. ونتيجة لذلك قررت الحكومة الصينية السماح للأسر بإنجاب ثلاثة أطفال، بعد أن أظهر إحصاء حديث أن معدل النمو السكانى سجل أدنى مستوياته.
البعض يسـأل: إذا كانت دول كبرى مثل روسيا والصين ولديهما مئات الملايين والمليارات من السكان تشجعان الناس على الإنجاب. فلماذا لا تحذو الحكومات المصرية حذوها بدلا من محاربة الزيادة السكانية؟!
وجهة نظر هؤلاء يعززها أيضا أن الحكومات الأوروبية المختلفة تشجع مواطنيها على الإنجاب، بل وتستورد شبابا من دول أجنبية أخرى، خصوصا الهند لتعويض نقص القوة العاملة الشبابية.
والإجابة ببساطة هى أن الأمور نسبية، وما يصلح فى بلد قد لا يصلح لنفس البلد فى توقيت آخر، فما بالك بدول أخرى.
هناك معادلة بسيطة تقول إن زيادة السكان ليست شرا دائما لكن بشرط أن تكون نسبة النمو الاقتصادى ثلاثة أضعاف نسبة زيادة السكان على الأقل. وإذا علمنا أنه فى اللحظة التى كانت نسبة النمو السكانى فى الصين لا تزيد عن نصف فى المائة، فإن نسبة النمو الاقتصادى كانت تتجاوز ١٣٪ أحيانا لسنوات طويلة. ونفس الأمر فى العديد من البلدان الأوروبية، التى لا تزيد نسبة النمو السكانى فى بعضها عن ربع فى المائة وأحيانا أقل، فى حين أن نسب النمو لديها كانت تتجاوز الخمسة فى المائة، ناهيك أنها دول متقدمة منذ عقود، وبالتالى مهما كانت معدلات المواليد مرتفعة لديها، فإن نسب نمو مستويات المعيشة المرتفعة تعوض ذلك.
الوضع فى مصر مختلف فنسب الزيادة السكانية لسنوات طويلة تدور حول نسبة ٢٫٥٪ أى أن هناك ٢٫٥ مليون نسمة يضافون لسكان مصر كل عام، رغم أن معدل النمو الحقيقى لسنوات طويلة كان أقل من ٤٪، فى حين كنا نحتاج لنسبة نمو لا تقل عن ٧٫٥٪ سنويا لمواجهة هذه الزيادة السكانية.
نحن لدينا قوة عمل شبابية متميزة وغالبية مواطنينا تحت سن الأربعين، لكن ظروفنا الاقتصادية ليست فى أفضل أحوالها منذ عام ٢٠١١، وحينما بدأنا «نشم نفسنا» فوجئنا بكوفيد ١٩، ثم بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وللأسف الشديد فإنه فى ظل الظروف الحالية فلا مفر من تنظيم الزيادة السكانية وضبطها، حتى لا تتفاقم مشاكلنا الاقتصادية على المستوى الفردى والكلى.
نحتاج لضبط الزيادة السكانية المنفلتة، حتى نعلم أولادنا ونربيهم بصورة صحيحة، وإلا فالمستقبل قاتم.