بقلم - عماد الدين حسين
ما هى المكاسب التى حققتها المقاومة الفلسطينية، وما هى الخسائر التى لحقت بإسرائيل جراء عملية «طوفان الأقصى» طوال يوم السبت الماضى وسيطرة المقاومة على العديد من المستوطنات الإسرائيلية وهجماتها الصاروخية على العديد من المدن الإسرائيلية؟
قد يعترض البعض على صيغة السؤال أعلاه، بالقول إننى أصدر حكما قيميا قاطعا بأن كل ما حدث مكاسب للمقاومة وخسائر لإسرائيل؟!
والرد هو نعم، لأن هذا ما حدث بالفعل.
سيقول البعض أيضا إن المعركة لم تنته وأن قوة إسرائيل النارية أقوى ألف أو مليون مرة مما تملكه المقاومة، وبالتالى فإن إسرائيل قادرة على محو قطاع غزة نفسه من الوجود.
والإجابة نعم، إسرائيل قوة احتلال غاشمة وتملك أحدث الأسلحة حتى مقارنة بالدول العربية ولديها أسلحة نووية، لكن ألم تدمر إسرائيل قطاع غزة العديد من المرات كل عامين أو ثلاثة تقريبا؟! وبالتالى ما هو الجديد حينما تقوم إسرائيل بنسف البيوت والأبراج وقتل المدنيين وتدمير المزارع؟!
فإذا كانت إسرائيل تضرب وتهاجم وتعتدى كل مرة، فإن الثابت هذه المرة هو أن المقاومة وجهت لها ضربة غير مسبوقة وأظن أنها سوف تتحول إلى كابوس يطارد الإسرائيليين طويلا مثلما حدث ولكن بصورة أكبر فى انتصار المصريين فى حرب ٦ أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣.
ربما تكون الإجابة على السؤال الذى بدأنا به متسرعة حتى يتوقف القتال ونرى النتائج الحقيقية على الأرض، لكن لا بأس من المحاولة، وهناك نتائج سريعة وأخرى مؤجلة إلى حين قريب.
أول مكسب للمقاومة ولفلسطين ولعموم الشعب العربى هو أنهم قادرون على ضرب إسرائيل فى عقر دارها لأول مرة منذ معارك النكبة عام ١٩٤٨.
استراتيجية إسرائيل الدائمة أنها تحارب فى أرض العرب، والمقاومة أثبتت يوم السبت الماضى أنها قادرة على دخول المستوطنات والسيطرة عليها والتحصن فيها وقتل وأسر الجنود والمستوطنين.
المكسب الثانى هو الفشل الأمنى والاستراتيجى والاستخبارى الإسرائيلى الخطير وغير المسبوق فحينما تفشل كل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية والصديقة فى الحصول على معلومة واحدة بنوايا المقاومة، فهذا يعنى أن هذه الأجهزة ومعها المجتمع الإسرائيلى قد وصلت إلى حالة من الترهل والانهيار غير المسبوق، وهو ما يعنى أساسا سقوط خرافة قدرتها المطلقة، فحينما تفشل فى معرفة وتوقع ما يحدث فى مناطق تسيطر عليها أو تحاصرها فكيف لها أن تزعم قدرتها على النجاح خارج أراضيها؟!
يوم السبت الماضى أصيبت إسرائيل فى أعز ما تملك وهو الوهم بأنها قوة غير قابلة للاختراق أمنيا ومعلوماتيا واستخباراتيا.
فى المقابل أثبتت المقاومة أن لديها قدرة هائلة على التخطيط والتمويه والتضليل.
الخسارة الكبرى أيضا لسمعة السلاح الإسرائيلى الذى يتعامل معه كثيرون فى المنطقة وخارجها على بأنه الأفضل والأحسن على كل ما عداه، وتتهافت عليه العديد من الدول التى تخوض معارك أهلية أو ثنائية، وحينما يعجز هذا السلاح عن التصدى لوسائل عسكرية غاية فى البدائية، فهى إهانة لا تمحى، وستؤثر كثيرا على سمعته وعلى الإقبال عليه.
خسرت إسرائيل معنويا بصورة لا يمكن تخيلها الآن. فحينما يتم اقتحام مواقع عسكرية بمثل هذه السهولة واقتياد الجنود المستوطنين أسرى وهم شبه عرايا ويتم تجريسهم فى مواكب بشوارع غزة فهو أمر يضرب معنويات الإسرائيليين فى الصميم، وأظن أن هذه المشاهد المذلة سوف تطاردهم لسنوات طويلة وربما إلى أن يتم تحرير الأرض الفلسطينية بالكامل.
خسرت إسرائيل اقتصاديا بصورة لا يمكن تصورها أيضا، فهى أنفقت أكثر من مليار دولار على بناء السلك والجدار العازل مع غزة، لكن تم اقتحامه فى دقائق، وكأنه من ورق.
وخسرت اقتصاديا من ضرب بنيتها التحتية، وخسرت بورصتها كثيرا وسوف تخسر أكثر حينما نطالع الكشف النهائى لنتائج المعركة.
خسرت إسرائيل بشريا بصورة لم تحدث منذ حرب ١٩٧٣، فلم يسقط مثل هذا العدد من الخسائر البشرية فى صورة قتلى وجرحى منذ ٥٠ عاما ناهيك عن الأسرى.
أستطيع أن أجزم أنه مهما كان العدوان الإسرائيلى الآن، أو فى المستقبل باطشا ومدمرا لغزة وأهلها والمقاومين فى الضفة، فإن قدرة العدو على البلطجة ومحاولات تهويد المسجد الأقصى سوف تتقلص إلى حد كبير، وربما تبدأ التفكير جديا فى أن يقينها بالقدرة على الاستمرار فى احتلال الضفة وحصار غزة قد تزعزع بصورة جوهرية. والاستنتاج الأخير ربما يكون أهم نتيجة لطوفان الأقصى على المدى البعيد