بقلم - عماد الدين حسين
بعض المصريين يعتقدون أنه كان من الخطأ البالغ انعقاد الحوار الوطنى من الأساس. وأن الحكومة أعطت القوى السياسية المعارضة حجما كبيرا يفوق حجمها الجماهيرى مرات عدة. وأن ما تفعله الحكومة يعيد استنساخ «التجربة المريرة» لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، والتى تسببت كما يعتقدون فى كل هذه الفوضى والمشاكل التى تعانى منها مصر حتى الآن.
الانتقادات السابقة قرأتها وسمعتها كثيرا منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لإطلاق الحوار الوطنى فى ٢٦ أبريل ٢٠٢٢، ومع احترامى الكامل لها، فإننى أختلف معها إلى حد كبير.
سبب الاختلاف الأول أن العديد من الأنظمة فى المنطقة جربت مرارا هذه الوصفة وانتهى بها الأمر إلى التحاور بالرصاص والدبابات والمدرعات والقاذفات والأحزمة الناسفة والقنابل والسيارات المفخخة والاغتيالات. فى حين أن الحوار الوطنى جعل كل الأطراف فى مصر تجتمع تحت سقف قاعة واحدة هى نفرتيتى فى أرض المعارض بمدينة نصر يوم الأربعاء قبل الماضى، لكى تتحاور بالكلمة والفكرة والحجة والرأى.
بوضوح شديد ومنذ الغزو الأمريكى للعراق فى مارس ٢٠٠٣ وهو الغزو الذى أطلق كل الشياطين فى المنطقة لمصلحة إسرائيل فإن النظام الجديد فى العراق الذى فكك الجيش واستبعد وأقصى فئات كثيرة من المشهد قد تسبب فى نشأة داعش وتقوية القاعدة، وأطلق صراعا سنيا شيعيا بغيضا.
وحينما بدأت ثورات الربيع العربى فى أواخر ٢٠١٠ فى تونس ثم فى مصر يناير ٢٠١١، وسوريا فى مارس من نفس العام ثم اليمن وليبيا، فإن الأنظمة التى استخدمت العنف فقط ظنا أنه الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الأزمة قد غرقت فى حرب أهلية وطائفية لم تسلم منها حتى الآن، وحولت أراضيها إلى ساحة للصراع والقتال وتصفية الحسابات بين العديد من القوى الإقليمية والدولية.
السودان وبعد الإطاحة بالبشير فى ٢٠١٩، وبدلا من إكمال الطريق نحو حكومة مدنية تمثل المجتمع بأكمله، فإن قادة الجيش وميليشيا الدعم السريع دخلوا فى صراع مميت ودموى لا نعرف متى سيخرجون منه.
الدول التى اتبعت وصفة احتكار السلطة يعيش معظم أهلها نازحين أو لاجئين أو ساعين للهجرة لأى مكان وبأى ثمن، والسبب أن الحكومات والنخب اعتقدت أنه بإمكانها إسكات الجميع إلى ما لا نهاية.
وأظن أن المعالجة الحكيمة التى تمت بها الأمور فى مصر هى التى جنّبت مصر الكثير من الشرور. صحيح أننا دفعنا ثمنا كبيرا لها، لكن فى النهاية بلدنا ما يزال متماسكا ومستقرا ويتحاور بالكلمة وليس بالسلاح.
انحياز القوات المسلحة للشعب ولثورة ٢٥ يناير هو الذى جنّبنا مصير سوريا والسودان وليبيا واليمن. وانحيازها للشعب مرة ثانية فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ هو الذى جعل مصر تقف على قدميها وتحافظ على هويتها، فى وجه القوى الإرهابية والظلامية مما قاد إلى نهاية صعودها فى المنطقة العربية.
لكن من المهم الإشارة إلى التفريق بين أمرين مهمين؛ الأول هو أن النجاح فى الانتصار على التطرف والإرهاب لا يعنى بأى حال استبعاد باقى القوى السياسية المدنية من المشهد السياسى، وهو الأمر الذى تم بالفعل حينما أطلق الرئيس السيسى الحوار الوطنى واتفق الجميع فى مصر على استبعاد كل القوى الإرهابية والمتطرفة أو التى لا تؤمن بالدستور.
أعود إلى ما بدأت به وهو أنه حتى لو كانت غالبية الأحزاب والقوى السياسية فى مصر ضعيفة وهامشية وأنبوبية فهناك قوى اجتماعية وسياسية كثيرة يفترض أن تتحاور معها الحكومة وتستمع إليها سواء كانت فى نقابات أو هيئات أو اتحادات أو كيانات أهلية خصوصا فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تعيشها مصر هذه الأيام.
نعم لاستبعاد المتطرفين والمتاجرين بالدين، لكن هناك قوى مدنية أخرى كثيرة، وكما رأينا منذ إطلاق الحوار الوطنى، وحتى الجلسة الافتتاحية يوم الأربعاء الماضى فإنه من الأفضل تريليون مرة أن نتجادل ونتحاور ونختلف بالكلمة حتى نصل إلى التوافق النسبى بدلا من انسداد القنوات التى تقود إلى الانقسامات ثم الانفجارات.
نجاح الحوار الوطنى وخروج الغالبية منه راضية وتعتقد أنها حققت مكاسب ولو نسبية هو الذى سيحقق التوافق العام، وهو الذى سيزيد من مناعة الجسد المصرى فى وجه الأنواء العاصفة التى تحيط به من كل جانب والعكس صحيح تماما. ونسأل الله أن يوفقنا جميعا لمصلحة هذا الوطن.