بقلم: عماد الدين حسين
يوم السبت الماضى كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «الحكومة والفلاحون والقمح.. الآجل والعاجل»، ورغم أننى سعيت أن أكون موضوعيا قدر الإمكان، إلا أن البعض رأى أننى لم أنصف الفلاحين. رغم أننى قلت فى آخر المقال «إن الحكومة وهى تحاول تأمين القمح المخصص للخبز المدعم، عليها ألا تتصادم مع الفلاحين، وأن تتعامل معهم بهدوء، والأهم أن تفكر فى استراتيجية دائمة للتعامل مع الفلاحين شعارها الأساسى: «كيف تدعم الفلاحين والمزارعين بصورة جادة تجعلهم يقبلون على الزراعة، ولا يهربون منها، حتى لا نكتشف أننا كنا ندعم المزارعين الأجانب على حساب أولاد بلدنا».
إذا هذا كلام واضح لا لبس فيه بضرورة الانحياز إلى مصالح الفلاحين دون التغول على حق الدولة فى تأمين احتياجاتها من القمح المخصص للخبز المدعم ويبلغ نحو ٩ ملايين طن، الأمر الذى اضطرها بصورة استثنائية أن تفرض على كل فلاح توريد ١٢ إردبا من كل فدان مزروع بالقمح، مع زيادة سعر الإردب إلى 855 جنيها للإردب مع بعض الحوافز الأخرى، ولكن يظل هذا السعر بطبيعة الحال أقل من السعر العالمى.
الزميل الإعلامى محمد أبورحاب بعث لى رسالة مطولة على الواتس آب جاء فيها:
قرأت مقالك عن توريد القمح، ومع احترامى لما جاء فيه، وهو حقيقة ألمسها بنفسى لكونى من الريف، وعندى أرض، لكن يجب علينا التعامل على الفلاح البسيط وهذه بعض الملاحظات:
أولا: المزارع لم يزرع قمحا لأن الحكومة لم تحدد سعره إلا قبل موسم الحصاد بأيام قليلة، وكان الأولى أن يتم الإعلان عن سعره قبل زراعة القمح، أى فى منتصف أكتوبر، وبهذا نوفر الحافز للفلاح لزراعة القمح، بدلا من المحاصيل الأخرى الأكثر ربحية.
ورغم اتفاقى مع الفكرة العامة بضرورة الإعلان عن السعر قبل زراعة المحصول، إلا أننى لا أعرف من أين جاء الزميل العزيز بأن الفلاح لم يزرع القمح، والسبب ببساطة أن وزارة الزراعة أعلنت أن إجمالى المساحة المزروعة قمحا، بلغت نحو ٣ ملايين و٦٥٩ ألف فدان، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالى إنتاجية المحصول هذا الموسم نحو ١٠ ملايين طن وهى مساحة أكبر مما كان مزروعا فى الأعوام الماضية.
فى ملاحظته الثانية يقول أبورحاب، إن ما حددته الحكومة بتوريد ١٢ إردبا للفدان، رقم كبير لأن نسبة قليلة من أراضى القمح هى التى يتجاوز إنتاجها عشرين إردبا والنسبة الأكبر لا يتجاوز إنتاجها عشرة أرادب. ولا أعرف مدى دقة هذا الكلام لكن حتى لو افترضنا صحته، فقد فات الوقت، لأن موسم التوريد بدأ بالفعل، وعدد كبير من الفلاحين التزم بالنسبة المطلوبة للتوريد، بل إن محافظة المنيا على سبيل المثال حققت المستهدف منها بنسبة ١٠٠٪.
وفى الملاحظة الثالثة يقول أبورحاب: ينبغى على وزارة الزراعة العمل من الآن على توفير حوافز للمزارعين لتفضيل زراعة القمح، وذلك من خلال توفير التقاوى الجيدة ذات الإنتاجية العالية، والميكنة الزراعية بأسعار معقولة، علما بأن غالبية المعدات فى رأى الزميل «قد أكلتها البارومة والصدأ»، كما أن فكرة الإرشاد الزراعى غير موجودة تقريبا. وأنا أؤيد هذه الملاحظة بلا تحفظ وأظن أننى ختمت بها مقالى السابق بوضوح.
وفى ملاحظته الرابعة يقول الزميل العزيز إن فدان القمح الجيد يحتاج إلى «٦ شكاير أسمدة» فى حين أن ما تقدمه الجمعية الزراعية للفلاح لا يتجاوز ثلاث شكائر، وبالتالى فإن المزارع يضطر لشراء ثلاث شكائر أخرى بأسعار مضاعفة من السوق الحرة. كما أن وزارة الزراعة تستطيع توفير المبيدات الجيدة والمضمونة للفلاح لمقاومة الحشائش.، ولا تجعله فريسة لبعض المبيدات المغشوشة فى الأسواق.
هذه هى الملاحظات الأربعة التى أرسلها لى الزميل العزيز وتقريبا أوافقه الرأى على معظم ملاحظاته، مع تحفظات بسيطة وهامشية، ومرة أخرى، أعيد التأكيد أننى كتبت فى هذا المقال، وفى مقالات أخرى سابقة أن الأولى أن تدعم الحكومة الفلاح والمزارع المصرى، وأن تغريه بكل أنواع الإغراءات ليفضل زراعة القمح، لأنه لا يعقل أن يقوم الفلاح بزراعة محصول يجعله يخسر، أو فى أفضل الأحوال لا يحقق له مكاسب، أو مكاسب ضئيلة. فى هذه الحالة سيقول لماذا أزرع وأخسر، فى حين يمكننى أن أضع فلوسى وديعة فى البنوك وأحصل على ١٤٪ و ١٨٪؟!.
الموضوع متشابك ويحتاج نقاشات متعددة.