بقلم - عماد الدين حسين
هل تعانى الحكومة من مشكلة فى التواصل مع سائر فئات الرأى العام، فيما يتعلق بقضية مشروع قانون صندوق هيئة قناة السويس؟ ظنى الشخصى ــ وأرجو أن أكون مخطئا ــ أن الإجابة هى نعم إلى حد ما.
فى السطور القادمة وفى مقال اليوم لا أناقش هل مشروع القانون جيد أم سيئ، يعظم الاستثمار ويضاعف الإيرادات أم يهدد سيادة ومصرية قناة السويس. وقد عرضت للآراء المختلفة المؤيدة والمعارضة فى مقال الخميس الماضى، وفى مقال أمس السبت ناقشت ما قاله الفريق أسامة ربيع فى المؤتمر الصحفى الموسع. لكن اليوم سأناقش نقطة محددة وهى تعامل الحكومة مع الرأى العام.
ظنى أن الحكومة جانبها الصواب حينما لم تطرح مشروع القانون للنقاش المجتمعى العام، قبل إرساله لمجلس النواب لإقراره.
طبعا ستقول الحكومة إنها أرسلت مشروع القانون للمجلس منذ أسابيع، وأن المستشار حنفى جبالى رئيس المجلس أحاله إلى لجنة مشتركة من اللجنة الاقتصادية ولجنة الخطة والموازنة لمناقشة تعديلات القانون رقم ٣٠ لسنة ١٩٧٥ بنظام هيئة قناة السويس، وأن اللجنة عقدت سبعة اجتماعات لمناقشته شارك فيها الفريق أسامة، وممثلون عن العديد من الهيئات والوزارات والمؤسسات المعنية.
وجهة نظر الحكومة السابقة قد تبدو وجيهة فنيا، لكن كل هذه الجهات التى ناقشت مشروع القانون فى نحو شهرين ونصف معظمها إن لم يكن كلها جهات حكومية.
قد تدافع الحكومة عن نفسها أيضا وتقول إنها أرسلت مشروع القانون إلى البرلمان الذى يمثل الشعب كله، وإنه إذا وافق البرلمان فمعنى ذلك أن الأمور شرعية وتوافق صحيح القانون والدستور.
والكلام السابق صحيح نظريا وحتى قانونيا، لكنه غير صحيح بالمرة سياسيا، والسبب ببساطة أن الحكومة تملك أغلبية كاسحة مؤيدة لها فى مجلس الشيوخ والنواب، وبالتالى يمكنها تمرير أى قانون حتى لو عارضه الجميع.
وهنا مربط الفرس أى إننا لا نناقش الجزء القانونى بل الجانب السياسى، وبالتالى فالسؤال هو: ما الذى ستكسبه الحكومة إذا تمكنت من تمرير القانون بالأغلبية داخل مجلس النواب، لكنها لم تنجح فى إقناع غالبية الرأى العام بالقانون؟!
مرة أخرى نسأل: ما الذى كان يضير الحكومة لو أنها عرضت مشروع القانون للنقاش المجتمعى الحر، ويدلى كل طرف أو حزب أو جمعية أو هيئة أو شخص برأيه، قبل أن يذهب إلى البرلمان؟!
الذى حدث أنه وبعد موافقة مجلس النواب على القانون فى مجموع مواده، واعتراض عدد قليل جدا من النوابه عليه، اشتعل الفضاء الإلكترونى بحملة انتقادات واسعة للمشروع وصلت إلى حد المخاوف غير المبررة ببيع قناة السويس نفسها، وهو أمر لا يتصوره عقل سليم.
بعد ذلك اضطرت الحكومة إلى عمل العديد من التوضيحات للرأى العام بأن مشروع القانون يهدف لزيادة قدرة الهيئة على التنمية الاقتصادية المستدامة ومجابهة الأزمات والحالات الطارئة وأن كل ما قيل عن بيع للقناة، وما شابه أمر غير صحيح.
مركز معلومات مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب نفوا حكاية البيع أو أى انتقاص من سيادة ومصرية القناة. ورئيس هيئة قناة السويس عقد مؤتمرا صحفيا عالميا للرد على كل المخاوف.
والسؤال ما الذى اضطرنا لفعل ذلك، ألم يكن من الأفضل أن يكون النقاش والجدل والأخذ والرد قبل ذهاب مشروع القانون لمجلس النواب، وأن يتبارى ويتناقش الجميع بشأن الآراء المختلفة حتى نصل إلى أفضل صيغة لمشروع القانون، ويطمئن الجميع أن الأمر منطقى وطبيعى ومفيد لمصر واقتصادها؟
شخصيا لا أصدق أن فكرة البيع، وما شابها قد خطرت ببال أى شخص مسئول، كبيرا كان أو صغيرا، لكن المشكلة أن عدم النقاش المجتمعى المسبق خلق بيئة غير مواتية، وأعطى فرصة ذهبية للمتربصين والمتشككين كى يحاولوا تشويه صورة الحكومة.
هذا الخطأ تكرر فى العديد من القضايا الجماهيرية مثل مشروعات الطرق والكبارى فى مصر الجديدة، وكوبرى كنيسة البازليك ومقابر الفردوس والشهر العقارى والتصالح فى مخالفات البناء، وكلها أخطاء كان يمكن تلافيها ببساطة لو أنها خضعت لنقاش عام. وهو نقاش لا يقلل إطلاقا من هيبة الحكومة. وظنى أن هذا النقاش المسبق لو تم لكانت الحكومة قد وصلت لنفس النتيجة إلى حد كبير، لكن مع ظهير شعبى داعم جدا مع بعض التعديلات الطفيفة.
أرجو وأتمنى أن تلتفت الحكومة والجهات المعنية لهذا الخطأ الذى يتكرر كثيرا، خصوصا أنه يأتى فى ظروف اجتماعية واقتصادية غاية فى الصعوبة ويفترض أن الحكومة ليست فى حاجة لمشاكل مجانية.