بقلم - عماد الدين حسين
من الأخبار الإيجابية التى نرجو أن تكتمل وتتحقق ما بثته قناة «الشرق ــ بلومبرج» يوم الجمعة الماضى بأن الكتل والقوى السياسية السودانية المشاركة فى ورشة العمل المنعقدة فى القاهرة أبدت تجاوبا مع المقترحات المصرية بشأن آليات التحول الديمقراطى التى تم طرحها فى الورش المغلقة، وأن هذه القوى رحبت بضرورة الحوار وتقريب وجهات النظر فيما بينها للخروج بنتائج لهذه الاجتماعات.
هذا هو المدخل وعلى مصر ألا تفقد الاهتمام بالشأن السودانى أبدا، مهما حدث من خلافات، لأنه فى اللحظة التى سنفقد فيها الاهتمام بالسودان ستدخل قوى أخرى كثيرة تحاول اللعب والتأثير ليس فقط ضد مصلحة الشعب السودانى. ولكن ضد المصالح المصرية أيضا.
يعلم المتابعون للشأن السودانى خصوصا منذ سقوط نظام عمر البشير فى أبريل ٢٠١٩ على يد ثورة شعبية، أن الأوضاع فى هذا البلد الشقيق شديدة الحساسية والتعقيد وتتداخل فيها العديد من العوامل والتحديات، والانقسامات الجهوية والقبلية والسياسية.
ويواجه أيضا أزمة اقتصادية خانقة وصراعا أشد بين المكونين العسكرى والمدنى خصوصا بعد سيطرة الفريق عبدالفتاح البرهان على السلطة منفردا فى ٢٥ أكتوبر قبل الماضى، وبعدها تواصلت الاحتجاجات المدنية، حتى توصل الجميع إلى الاتفاق الإطارى فى الخرطوم فى الخامس من ديسمبر الماضى. وخلاصته أن رئيس الدولة سيكون هو القائد الأعلى للجيش، فى حين تختار قوى الثورة رئيس وزراء انتقالى، وتنظيم انتخابات فى نهاية الفترة الانتقالية ومدتها عامان تبدأ من لحظة تعيين رئيس الوزراء، ودمج قوات الدعم السريع فى الجيش الذى يفترض أن يكون وطنيا ومهنيا وموحدا.
فى حين تتبع قوات الأمن لوزارة الداخلية ويمنع على كل القوى ذات الطبيعة العسكرية ممارسة الأعمال الاستثمارية.
نعود إلى الدور المصرى ونقول إن القاهرة حريصة معظم الوقت على ألا تغيب عن السودان وشئونه. فى إطار العلاقات المتميزة والتاريخية بين البلدين والشعبين.
بالطبع الأمور ليست مثالية لكنها مليئة بالتعقيدات، وهناك قوى مختلفة فى السودان حاربت بضراوة أى دور مصرى سواء كان رسميا أو شعبيا، سواء بحجج منطقية أو بخرافات وأساطير متوارثة.
وللأسف فإن هذه القوى نجحت فى إبعادنا لبعض الوقت عن الشأن السودانى وكانت النتيجة أن العديد من القوى المختلفة إقليميا وعربيا ودوليا دخلت الساحة وصارت لها كلمة مسموعة ومؤثرة ويكفى أن آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى هو الذى كان عراب الاتفاق الأول بين الأطراف السودانية عقب إسقاط البشير، فى حين أن دور مصر كان متواريا.
لا يعقل أن تكون هناك قوى دولية وإقليمية عربية وأفريقية وأجنبية شديدة التأثير فى مجريات الأحداث بالسودان ونحن غائبون.
أعلم أننا حاولنا ونحاول، ونجحنا فى إقناع غالبية الأطراف السودانية فى أوائل يناير الماضى بالمجىء للقاهرة للمشاركة فى ورشة الحوار. صحيح أن بعض الأطراف لم يأتِ للمفاوضات، لكن هناك قوى مهمة حضرت حتى من داخل المكون المدنى.
وأظن أن أحد الدروس الأساسية المستفادة من الأزمة السودانية هى ضرورة عدم اليأس، وعدم التورط المصرى فى الخلافات الداخلية بين القوى السياسية السودانية بل أن تكون لنا علاقة طيبة قدر الإمكان مع كل القوى أو على الأقل غالبيتها.
إثيوبيا وقوى أخرى بعضها يزعم أنه قريب وشقيق يحاول «اللعب» فى السودان والتأثير فى مجريات الأحداث.
لا يمكن إنكار حق أى دولة فى إقامة علاقات طيبة مع السودان، لكن بشرط ألا تكون على حساب المصالح المصرية.
ولا يمكن لنا أن نلوم هذه القوى، فهى تسعى لتحقيق مصالحها، ولكن نلوم أنفسنا إذا قصرنا فى هذا الصدد.
نحتاج أن نقوى علاقتنا مع كل القوى السياسية والاجتماعية والفكرية فى السودان خصوصا وسط الأجيال الجديدة، فالخريطة السياسية السودانية تغيرت كثيرا جدا عما كنا نظن أنه ثابت ودائم للأبد، والدليل هو ما حدث فى السنوات الأربع الأخيرة.
علينا ألا نضع الجهود المصرية الحالية فى منافسة مع مبادرات أو جهود إقليمية أو دولية أخرى. نحن نحتاج أن نعيد بناء جسور الثقة مع معظم أطراف العملية السياسية فى السودان، لأن استقرار الأوضاع هناك مصلحة مصرية فى الأساس، والعكس صحيح تماما، خصوصا أن إثيوبيا تحاول طوال الوقت دق الأسافين فى علاقتنا مع السودان، وبالذات فى قضية سد النهضة التى نحتاج فيها إلى التنسيق مع السودان طوال الوقت.