بقلم - عماد الدين حسين
صباح الخميس قبل الماضى زرت مستشفى الناس فى شبرا الخيمة.
هذا الصرح الكبير بدأ العمل فعليا فى أكتوبر ٢٠١٩، ومبنى على مساحة ٣٠ ألف متر مربع.
هو قريب من موقف عبود وطريق الأميرية وغالبية منطقة شبرا، ومخصص أساسا لأمراض القلب، وطاقته الاستيعابية ٦٠٠ سرير وعشر غرف عمليات و١٤٨ وحدة عناية مركزة و٤ وحدات قسطرة، غالبية المرضى من الأطفال بنسبة تصل إلى ٨٠٪ والباقى للكبار.
المبنى مصمم على أحدث الطرز العالمية وأقرب إلى شكل القلب، وزجاجه حاجب للصوت لتوفير الهدوء والنور الطبيعى يدخله من كل جانب فى عام ٢٠٠٩، بدأ تشغيل المستشفى بثلاثة أدوار فقط وبدروم، وتشغيل بقية الأدوار ينتظر تبرعات القادرين وأهل الخير وبالتالى فإن الطاقة التشغيلية الحالية تبلغ ١٢٥ سريرا وأربع غرف عمليات ونحو ٤٨ عيادة خارجية و٥٠ غرفة عناية مركزة.
ولكى نعرف أهمية هذا المستشفى علينا أن نعرف أنه كشف على 9,860 مريض وأجرى 4.655 عملية جراحية / قسطرة وقدم من 303 إلى 322 خدمة طبية ما بين خدمات تشخيصية وزيارات بالعيادات الخارجية وخدمات معملية وأشعة.
علينا أن نعرف أيضا أن هناك ما بين ٢٥ ــ ٣٠ ألف طفل يولدون سنويا بمشاكل فى القلب، وكل مستشفيات مصر جميعها لا يمكنها إلا معالجة نصف هذا العدد من المرضى بنحو ما بين ١٢ و١٥ ألف عملية وتدخل وعلاج جراحى.
مستشفى الناس أجرى فى عام ٢٠٢٢ نحو ٢٦٥٠ عملية قسطرة وقلب مفتوح، ويهدف الوصول إلى رقم ٣٠٠٠ عملية فى هذا العام يعنى نحو ٢٥٪ من عمليات القلب فى مصر.
السؤال الذى لم أكن أعرف إجابته الواضحة، هو: من الذى يقف وراء هذا المشروع الإنسانى النبيل؟
الإجابة هى رجل بر عظيم اسمه خميس عصفور صاحب محلات كريستال عصفور. هذا الرجل أصيب بمرض فى القلب فسافر إلى الولايات المتحدة للعلاج، وهناك لمعت فى عقله فكرة بناء هذا المستشفى، فاستعان بأفضل المصممين العالميين فى بناء المستشفيات وبدأ المشروع، لكنه توفى قبل اكتماله، فواصل أولاده العمل حتى تم إنجازه بهذا الشكل، وهذه الرواية سمعتها شخصيا من الراحلة أنيسة حسونة المدير التنفيذى السابق للمستشفى، كما شاهدتها ترويها لمنى الشاذلى فى برنامج «معكم» فى ١١ فبراير ٢٠٢١. ولعبت حسونة دورا مهما فى التعريف بالمستشفى وحشد التبرعات له.
الذى يلعب الدور الأكبر الآن فى هذا المستشفى هى مؤسسة «الجود» الذى يرأسها رجل الأعمال المعروف ممدوح عباس رئيس نادى الزمالك الأسبق، ويساعده أولاده خصوصا ابنه أيمن الذى يتولى مهمة أمانة الصندوق، حيث تبرعوا بالكثير للمستشفى ويحشدون التبرعات من أهل الخير.
المستشفى يعتمد على كوادر طبية متميزة ويعالج كل ما له صلة بالقلب خصوصا للأطفال. هو يجرى عمليات ثقب القلب، والقلب المفتوح والقسطرة وانعكاس الشرايين ومن أول حديثى الولادة حتى ١٤ عاما، أو حسب الوزن.
المستشفى مفتوح للجميع ولا يميز بين شخص وآخر على أى أساس إلا أنه مريض قلب ودخوله المستشفى يتوقف فقط على أساس مدى خطورة حالته بناء على الأشعة والتحاليل.
قبل ارتفاع الأسعار وتراجع الجنيه كان متوسط تكلفة العملية الجراحية تقريبا نحو ١٢٥ ألف جنيه.
العملية السهلة نسبيا قد تحتاج حجز المريض نحو خمسة أيام منها ثلاثة أيام فى العناية المركزة، والعملية المعقدة تحتاج نحو عشرة أيام. وبالطبع كلما زادت المدة زادت التكاليف.
تجولت فى المستشفى الذى يولى النظافة أهمية قصوى خصوصا فى المطبخ الذى يعمل على أحدث مستوى وتشرف عليه طبيبة متخصصة فى الأغذية، وغسيل أيدى الموظفين به كل عشرين دقيقة بجرس ينبهم إلى ذلك مرارا وتكرارا.
هناك أيضا المغسلة لضمان تعقيم الملابس ليس فقط للمرضى ولكن للأطباء والممرضين والعاملين. وكافتيريا تبيع الوجبات بأسعار رمزية يذهب عائدها لتبرعات المستشفى أيضا.
خرجت من هذا المستشفى وأنا أشعر أن الخير مستمر فى هذا البلد طالما أن غالبية أهلها ما يزالون يحبون فعل الخير. المستشفى صرح طبى خيرى عظيم يخدم الكثيرين بالمجان، وكل الأمل أن نجد نماذج كثيرة مثله خصوصا فى هذه الأيام شديدة الصعوبة على معظم المصريين.
وأتمنى أن يبادر كل قادر على التبرع لهذا المستشفى ولكل مستشفى مماثل سواء كان خاصا أو أهليا أو حكوميا، طالما أنه يعمل بشفافية وحوكمة ورقابة وفى إطار القانون.