بقلم - عماد الدين حسين
سؤال بسيط: إذا كان صندوق دعم الأسرة المصرية موجودا من الأساس، فلماذا أثيرت كل هذه الضجة، ولماذا أوحت الحكومة للناس بأنها ستنشئ صندوقا جديدا، ولماذا لم تعلن للناس أن رسومه ستكون بسيطة، حتى تقطع الطريق على الجهلاء والمتربصين ومروجى الإشاعات، الأمر الذى أدى لزيادة الاحتقان بين الحكومة وقطاع كبير من المواطنين؟!
هذه أسئلة أظن أنها بديهية، وكان يفترض بالذين اشتغلوا على فكرة الصندوق أن يضعوا أمام رئيس الجمهورية ووزير العدل كل ما يتعلق بأمر هذا الصندوق الموجود، وإذا فعلوا ذلك، لم نكن سنجد كل هذا اللغط والإشاعات والأكاذيب التى ملأت المشهد العام طوال الفترة الماضية.
لم أكن أعرف أن هناك صندوقا قائما بالفعل لدعم الأسرة المصرية، إلى أن قرأت ما كتبه زميلى محمد بصل مدير تحرير الشروق على بوابة الشروق مساء يوم الجمعة الموافق ٣٠ ديسمبر، ونشر فى النسخة الورقية للشروق فى صباح السبت ٣١ ديسمبر.
ما كتبه زميلى بصل، باختصار أن هناك صندوقا قائما اسمه «صندوق تأمين الأسرة المصرية» وقد تأسس بالقانون رقم 11 العام ٢٠٠٤، وفقا لقانون الأحوال الشخصية الشهير رقم 1 السنة ٢٠٠٠ والذى تضمن أحكام الخلع وإجراءات تنظيم الطلاق والتصالح وغيرها أمام محكمة الأسرة.
طبقا لهذا الصندوق الموجود فإن أى مقبل على الزواج كان يسدد ٥٠ جنيها زادت إلى ١٠٠ جنيه إضافة لأربعة جنيهات للمستخرج، وعند الطلاق يسدد خمسين جنيها، ارتفعت أيضا إلى مائة جنيه، وتسعة جنيهات للمستخرج، وعشرين جنيها عند توثيق أى واقعة ميلاد، ثم أضيف ثلاثة جنيهات عام ٢٠١٥ عن كل شهادة ميلاد و٤ جنيهات عن كل مستخرج قيد عائلى، و٥ جنيهات على استخراج بطاقة الرقم القومى. كل هذه الرسوم يدفعها أى شخص يتزوج أو يطلق، والحصيلة تذهب إلى هذا الصندوق القائم بالفعل.
بنك ناصر الاجتماعى هو المشرف على تنفيذ الأحكام القضائية بنفقة الزوجة والمطلقة أو الأولاد. وأجاز القانون لرئيس الجمهورية تكليف بنك ناصر بتمويل خدمات تأمينية أخرى للأسرة، وكذلك إمكانية تحريك الدعوى الجنائية ضد الرجال المطلقين المتقاعسين عن الدفع، والبنك كان يدفع للمطلقة ٣٠٠ جنيه زادت إلى ٥٠٠ جنيه.
وإذا رجعنا لحديث الرئيس السيسى مع وزير العدل المستشار عمر مروان سنتذكر أن الرئيس قال: «حساب بنك ناصر مدين بأكثر من ٣٠٠ مليون جنيه».
ونعلم أيضا أن التطبيق العملى على مدار ١٨ عاما أظهر العديد من أوجه القصور فى ممارسة اختصاصات الصندوق وتحقيق أهدافه بسبب نقص التمويل.
إذن كان لدينا صندوق قائم بالفعل، يتلقى رسوما محددة من المقبلين على الزواج أو المطلقين، لكنه غير قادر على تحقيق أهدافه، وبالتالى، فالمنطقى أن الفنيين المشرفين على إعداد فكرة الصندوق داخل قانون الأحوال الشخصية الجديد، كان يفترض أن يوضحوا بصورة لا لبس فيها للمستوى السياسى الأعلى أن هناك صندوقا موجودا بالفعل وأن المطلوب تفعيله فقط.
وطالما أن الحكومة نفت أكثر من مرة أن المبالغ التى سيدفعها المقبل على الزواج، أو المطلق قليلة جدا ولا تصل إطلاقا إلى ٢٠ أو ٤٠ ألف جنيه. ألم يكن من الأفضل أن يتم ذكر المبالغ التى سيتحملها الرجل أو على الأقل ما يقاربها، حتى لو ارتفعت هذه المبالغ من مائة جنيه إلى ٥٠٠ أو حتى ألف جنيه على وثيقة الزواج أو الطلاق. ولا أظن أن الأمر كان سيثير أى ضجة باعتبار أن المصريين صاروا يدفعون العديد من الرسوم المتنوعة مؤخرا.
ظنى الشخصى أن الحكومة أخطأت، حينما لم توضح الصورة من البداية، وكان من المنطقى ألا يتم تناول أمر الصندوق بهذه الصورة بحيث إنه طغى على مشروع القانون الأكبر، طالما أن الرسوم ستكون قليلة جدا كما صرح أكثر من مسئول، كما أن مقترحات بعض النواب داخل البرلمان تحدثت عن مبالغ صغيرة جدا أقل من ٥٠٠ جنيه.
ما حدث أساء للحكومة وأعطى المتربصين مادة خصبة للإشاعات وأدى لزيادة عدد حالات الزواج خوفا من رسوم كبيرة لاحقة والأسوأ أنه حدث فى فترة اقتصادية صعبة.
أتمنى أن تتلافى الحكومة مثل هذا النوع من الأخطاء المجانية فى المستقبل، خصوصا أن فكرة الصندوق نبيلة جدا وتهدف لدعم ورعاية الأسرة المصرية وبالأخص الأطفال فى حالة الطلاق.
ويبقى سؤال مهم: ما هى مدى خطورة الجريمة التى ارتكبها المأذون المزيف، الذى دعا الناس للإسراع بعقد قرانهم قبل زيادة الرسوم؟!