بقلم - عماد الدين حسين
إذا كنت مستوردا لأى سلعة فأنت تحت رحمة المصدر، وبالتالى فمن حسن السياسة أن تعتمد على نفسك قدر الإمكان.
نعرف جميعا أن العالم يمر بأزمة غذاء عالمية ربما تكون غير مسبوقة، وبالتالى فقد حان الوقت لإعادة النظر فى الكثير من المفاهيم الاقتصادية التى حاول البعض أن يروج لها طوال العقود الماضية، ومنها أنك حينما تكون المستورد الأكبر للقمح فى العالم، فأنت من يحدد قواعد السوق، أو أن زراعة الفراولة يمكن أن تكون أكثر فائدة من زراعة القمح!!
فى الأسابيع الماضية شهدنا قيام عدد كبير من الدول بوقف صادراتها من سلع رئيسية لأسباب مختلفة منها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، والتغيرات المناخية.
فى ٢٢ إبريل الماضى أعلنت أندونيسيا وهى أكبر دولة منتجة لزيت النخيل وتساهم بنصف إنتاج العالم حظر تصديره. وسلع أخرى والسبب هو التغيرات المناخية وتداعيات الأزمة الأوكرانية، ومستوى التضخم المرتفع جدا مما أدى إلى ارتفاع الأسعار فى البلاد.
القرار الأندونيسى أدى إلى زيادة كبيرة فى الأسعار العالمية وسوف تتضرر منه دول كثيرة خصوصا الهند. علما بأن هذا الزيت يستعمل فى الطهى وصناعة الكعك ومستحضرات التجميل وسلع أخرى.
وفى مارس الماضى أوقفت الأرجنتين أكبر الدول المصدرة للصويا المعالجة المبيعات الخارجية الجديدة كما رفعت الضريبة عليها، ما زاد سعر زيت فول الصويا بنسبة زادت على ٥٪.
وفى ١٤ مايو الماضى، قررت الهند حظر صادرات القمح بسبب موجة حر شديدة جدا ناتجة عن التغيرات المناخية، الهند قالت إنها ستسمح فقط بالتصدير بالنسبة لشحنات القمح بخطابات ضمان صدرت بالفعل ودول نامية تعانى من أوضاع صعبة. الهند تنتج أكثر من ١١١ مليون طن قمح وسجلت صادراتها أكثر من ٧ ملايين طن فى العام الأخير مستفيدة من ارتفاع أسعار القمح عالميا.
وارتفعت أسعار القمح فى الهند إلى مستوى قياسى إلى ما يعادل ٣٢٣ دولارا للطن مقابل ٢٦٠ دولارا، علما بأنها ارتفعت عالميا إلى ما فوق ٤٧٠ دولارا للطن.
لكن الارتفاع المفاجئ فى درجة الحرارة قلل من الإنتاجية، إضافة إلى أن الفلاحين التجار كانوا يعتقدون أن تفرض الحكومة هذا الحظر بعد ثلاثة شهور وليس مبكرا كما حدث.
الهند أيضا قررت فى ٢٤ مايو الماضى فرض قيود على تصدير السكر للمرة الأولى منذ ٦ سنوات لمنع ارتفاع أسعاره محليا وطلبت من التجار ضرورة الحصول على إذن تصدير للسكر حتى ٣١ أكتوبر المقبل.
ما سبق مجرد نماذج لدول كبرى أو متوسطة قررت أن تكون الأولوية لشعوبها وأوضاعها الداخلية، وبالمناسبة فإن مصر فعلت نفس الشىء، حينما قررت الحكومة عبر وزارة الصناعة والتجارة فى ٨ مارس الماضى حظر تصدير عدد من السلع الأساسية منها القمح والدقيق والفول الحصى والمدشوش والعدس والمكرونة والدقيق بجميع أنواعه وذلك لمدة ثلاثة شهور. والهدف هو الحفاظ على ما هو متوافر من هذه السلع للمواطنين لمواجهة محاولات بعض التجار تصديرها واستغلال ارتفاع أسعارها لمستويات فلكية.
هل يمكن أن نلوم أى دولة على أى قرارات تحظر تصدير سلع معينة فى أوقات أزمة كبرى مثلما حدث أخيرا؟
الإجابة هى لا، لأن مواطنى الدولة يفترض أن تكون لهم الأولوية، وبالمناسبة فحظر التصدير لا يكون مرتبطا فقط بالحروب، لكن ولمن نسى فإن موجة ضخمة من الحرائق فى روسيا وأوكرانيا حدثت قبل سنوات قليلة، وأثرت كثيرا على حجم الإنتاج المحلى، وبالتالى لم تلتزم الدولتان وقتها بالعقود التصديرية للخارج تطبيقا لقاعدة «ما يحتاجه البيت فهو محروم على الجامع».
أيضا بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة انتقدت قرارات حظر التصدير، وقالت وزارة الزراعة الأمريكية تعقيبا على قرار أندونيسيا حظر تصدير زيت النخيل إن التعاون الدولى خلال حرب أوكرانيا أفضل كثيرا من حظر التصدير.
وجاء رد وزيرة المالية الأندونيسية سرى موليانى اندراواتى منطقيا بقولها: نعلم أن قرارات الحظر ليست جيدة وسوف تؤثر على دول كثيرة، لكن حينما تكون مسئولا سياسيا لا يمكنك مواجهة شعبك عندما تكون لديك السلعة التى تحتاجها وتتركها تخرج خارج البلاد.
مجمل القرارات السابقة تقول لنا رسالة واضحة وهى: كيف يمكن أن نوقف اعتمادنا على الآخرين وعلى الخارج قدر الإمكان خصوصا حينما نعلم أن حجم وارداتنا أكثر من ضعف حجم صادراتنا؟!