بقلم - عماد الدين حسين
هل الأفضل أن نتجاهل الانتقادات الدولية الموجهة لسجل الحكومة المصرية فى ملف حقوق الإنسان والحريات والسجون، أم نرد عليها ونفندها أو حتى أن نعترف بالصحيح منها ونعالجها؟ أطرح هذا السؤال بمناسبة ما حدث فى الجلسة المهمة فى منتدى شباب العالم يوم الثلاثاء الماضى بعنوان نموذج محاكاة نموذج مجلس حقوق الإنسان الدولى فى الأمم المتحدة. أولا: اختيار هذا الموضوع لجلسة رئيسية ويحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أمر مهم جدا وتطور يستحق الملاحظة والإشادة، لأنه حينما يتم اختيار هذا الموضوع، فهو يعنى مبدئيا أننا قادرون على الرد والتفنيد ثانيا: يفترض بداهة أننا حينما نقول نموذج محاكاة فهو يعنى بصورة آلية وجود كل وجهات النظر بما فيها المختلفة مع مصر. ونعرف على أرض الواقع إننا نتعرض لانتقادات كثيرة فى هذا المجلس بجنيف خصوصا فى المراجعات الدورية. فى نموذج المحاكاة بشرم الشيخ تحدث مندوبو أكثر من دولة وهيئة ومنظمة، وشرحوا وجهات نظرهم بالصورة المعهودة. لكن ممثلة لمنظمة حقوقية تدعى
«تحالف البحر الأبيض المتوسط»، قالت فى بداية مداخلتها كلاما تقليديا وهو أن «التحالف يشعر بعميق الأسف تجاه تنامى الآثار بعيدة المدى والسلبية لوباء كورونا وتأثيره على الفئات المهمشة والضعيفة فى العديد من بلدان العالم، وضربت أمثلة مثل زيادة العنف المنزلى ضد المرأة، وتحول السجون إلى بيئة عالية الخطورة، وأن هذه التأثيرات السلبية ازدادت حدة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقبل نهاية كلمتها عرجت هذه السيدة من الحديث العام عن المنطقة والإقليم لتخص مصر بحديث ينتقد ما قالت إنه «أعمال التمييز ضد النساء والأقليات وقمع المجتمع المدنى وزيادة الصعوبات فى السجون. وناشدت المتحدثة الحكومة المصرية باتخاذ إجراءات تصحيحية سريعة لضمان الاحترام الكامل لحقوق الإنسان» المتحدثة لم تنف وجود استجابات وصفتها بالمحدودة من قبل الحكومة المصرية سواء فيما يتعلق بإعلان الاستراتيجية القومية لحقوق الإنسان أو تحسين الأوضاع فى السجون.
ظنى الشخصى أن فوائد ما حدث فى هذه الجلسة أكثر من ضرره أولا: مثل هذا الحديث الذى قالته السيدة الحقوقية يتردد بصورة متكررة بل وممنهجة منذ سقوط جماعة الإخوان وخروجها من الحكم بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وبالتالى فهو ليس جديدا، لكن الجديد أنه يقال فى مصر وفى مؤتمر تنظمه الدولة المصرية ويحضره رئيس الجمهورية ممثل مصر فى نموذج المحاكاة تحدث مطولا عن الجهود المصرية فى مجال حقوق الإنسان، وأنها ليست قاصرة فقط على الحقوق السياسية والحريات، ولكنها تشمل جميع المجالات خصوصا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق فى السكن والتعليم والصحة والحصول على الخدمات المختلفة. الرئيس وفى مداخلته المهمة تطرق إلى ضرورة النظر إلى المفهوم الشامل والمتكامل لقضية حقوق الإنسان خصوصا حقه فى السكن والتعليم والصحة والرعاية الشاملة بل وحقه فى الهجرة.
الرئيس قال إن دولا أوروبية كثيرة قيدت حق مواطنيها فى التنقل وفى إلزامية تلقى التطعيم للحفاط على المجتمع، رغم أن ذلك يتعارض مع مفهومها المجرد لحقوق الإنسان وهو ما يعنى اقتصار حقوق الإنسان عندها على حرية التعبير والممارسة السياسية وقال السيسى إن جائحة كورونا كانت كاشفة للقصور الموجود لدى بلدان كثيرة بشأن حقوق الإنسان. الرئيس قدم الشكر لجميع المشاركين فى الجلسة ــ بمن فيهم من هاجم مصر بمنتهى الشدة ــ قائلا: «شعرت أن الخطاب قاس جدا لكن صدقونى الواقع المتواجد فى مصر ليس كذلك بالمرة، وبالتالى هذا شكل من أشكال الإساءة بقصد أو بدون قصد للدولة المصرية» إذن كان هناك جدل صحى بين وجهات نظر متعددة استمع إليها آلاف الشباب الحاضرين، إضافة إلى الملايين الذين تابعوا الجلسات عبر شاشات التليفزيون أو وسائل الإعلام المختلفة ومنها المواقع الإلكترونية.
ظنى أننا لم نخسر شيئا حينما تم السماح لهذه السيدة أن تنتقد بعض الممارسات فى جلسة علنية أمام رئيس الجمهورية، وتم الرد على ملاحظاتها وآرائها بصورة كاملة أمام الحاضرين الفكرة الجوهرية أننا يجب ألا نخشى شيئا سواء كان انتقادات فى وسيلة إعلامية أو منظمة حقوقية أو حتى من بلدان واتحادات كما تفعل أوروبا معنا بين الحين والآخر نحن جزء من العالم ونحتاج إليه، كما يحتاج إلينا، وبالتالى فمن المهم أن نسعى طوال الوقت لشرح وجهات نظرنا والدفاع عنها وتفنيد الاتهامات والإشاعات والأكاذيب، وأيضا تصحيح الأخطاء إذا وجدت شكرا لمنظمى المنتدى ولهذه الجلسة تحديدا، لأن فوائدها كانت أكثر كثيرا من أضرارها.