ما الذى ينبغى على مصر أن تفعله لتضمن لنفسها دورا وتأثيرا فى أحداث المنطقة والعالم، والأهم ألا تدفع ثمن التغيرات والتطورات العالمية الجارية الآن؟!
سؤال مهم طرحه برنامج «المشهد» الذى يقدمه الإعلاميان عمرو عبدالحميد ونشأت الديهى على قناة تن مساء الأحد الماضى وكان عنوان هذه الحلقة المهمة «العالم ومرحلة التحولات الكبرى» وشارك فيها الدكاترة عبدالمنعم سعيد ومحمد كمال وجمال عبدالجواد والسفيران د. عبدالرحمن صلاح ومحمد بدر الدين زايد وكاتب هذه السطور.
ما قلته فى هذا النقاش المهم والحيوى وأفصله بصورة أكثر الآن أنه حينما تكون مصر قوية ومتماسكة فى الداخل، فسوف تصبح مؤثرة وفاعلة فى الخارج والعكس ليس صحيحا.
نقطة الانطلاق الأساسية هى تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق الوطنى، وظنى أننا بصدد تحقيق ذلك مع انطلاق الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ٢٦ أبريل الماضى.
نجاح هذا الحوار سوف يعيد دمج وتفعيل قوى وأحزاب المعارضة والمجتمع المدنى فى المشهد السياسى العام ويبعدها تماما عن محاولات القوى والتنظيمات والجماعات الإرهابية التى تحاول جاهدة طوال الوقت تسخيرها واستغلالها.
والمأمول أن ينجح الحوار الوطنى فى إنهاء ملف المحبوسين على ذمة قضايا الرأى، وحسم ملف الحبس الاحتياطى، والأهم أن يزيد من مساحة حريات الرأى والتعبير وحقوق الإنسان.
وحدوث ذلك سيزيد من تماسك المجتمع أولا، وسيقطع الطريق على القوى والمنظمات والدول الأجنبية التى تستخدم هذا السلاح طوال الوقت لابتزاز مصر. والأهم أنه سيوفر لصانع القرار رؤية واضحة لحقيقة ما يحدث فى المجتمع.
وبالطبع فإن زيادة هامش الحريات قد يزيد من الصداع فى رأس الحكومة لكن هذا الصداع أقل خطرا من استمرار حالة التيبس والتكلس.
ومن المهم أيضا أن نتمكن من الوصول لمجموعة من الإجراءات والقرارات والسياسات لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تواجهنا، وهى أكبر تحدٍ يواجه مصر منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وربما بصورة أكبر من العنف والتطرف والإرهاب.
لكن وحتى نكون واقعيين فعلينا أن ندرك حقيقة أوضاعنا بدقة. كثيرون يقولون لابد من إصلاح وتطوير التعليم والصحة أولا. والبعض يقول بل لابد من استكمال البنية التحتية أولا والبعض الثالث يتحدث عن مجالات أخرى مثل الدعم. لكن لا أحد يقول ما هى تكلفة كل ذلك أو كل قطاع على حدة، وماذا نملك الآن، وإذا كانت الموارد أقل من المطلوب فماذا نفعل وما هى الأولويات؟.
ويرتبط بما سبق كله ضرورة تشجيع القطاع الخاص بكل الطرق وليس فقط بالكلام، خصوصا القطاع الخاص المنتج، الذى يوفر فرص عمل دائمة وحقيقية، ويصدر بالعملات الصعبة أو يوفر إنتاجا نستورده بالعملات الصعبة.
نقطة انطلاق أخرى ومهمة هى ضرورة بذل جهد أكبر فى محاربة الفساد. علينا أن نشجع المنتجين الوطنيين بكل الطرق، لكن علينا أن نحارب الفاسدين بكل الشراسة الممكنة. حينما نفعل ذلك، فإننا ننقل للناس رسالة واضحة بأننا جادون فى عملية البناء والانطلاق، وأنه لا أحد مهما كان اسمه أو مركزه أو خلفيته فوق القانون.
محاربة الفساد هى أفضل رد على كل ما تبثه القوى المتربصة بنا من الخارج ليل نهار.
لدينا ميزة مهمة وهى أننا حققنا إنجازات مهمة على الصعيد الخارجى فى السنوات الماضية، وصارت لدينا علاقات دولية قوية جدا مع غالبية وربما كل الفاعلين الدوليين، وبعد أن كنا محاصرين ومنبوذين دوليا بعد ٣٠ يونيو، فقد انتهى كل ذلك. لكن كيف نستثمر ذلك، فى تقوية موقفنا، خصوصا أننا أكثر الأطراف والدول تأثرا سلبيا بالأزمة الأوكرانية خصوصا فى أسعار الحبوب والبترول والعديد من السلع.
لدينا مزايا كثيرة، فنحن دولة مركزية مهمة ولها حضارة عريقة، ودولة مستقرة فى محيط مضطرب، ولدينا العديد من الأوراق خصوصا القوى الناعمة، لكن فى نفس الوقت مواردنا محدودة ونعانى من نقص الكفاءات رغم كثرة السكان، ولدينا أزمة اقتصادية صعبة، وترهل إدارى فادح. وبالتالى علينا أن نختار قضايا محددة نحلها ونعظمها وننطلق منها، مع تثبت وتحييد المشاكل المزمنة التى لا حلول سهلة وجاهزة لها الآن.