بقلم - عماد الدين حسين
فى الصفحة الأخيرة من تقرير «تمويل التنمية المستدامة فى مصر» الذى أشرف عليه دكتور محمود محيى الدين المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى وأطلقته جامعة الدول العربية ووزارة التخطيط الأسبوع الماضى، نطالع نتائج وتوصيات مختارة، وهى مهمة بقدر أهمية التقرير نفسه.
أول نتيجة أو توصية هى مركزية دور الموازنة العامة للدولة فى إطار الاستقرار الاقتصادى الكلى لتفعيل إطار التمويل الوطنى المتكامل.التوصية الثانية هى ضرورة دفع الاستثمارات العامة والخاصة، وذلك عن طريق رأس المال البشرى وهو عنصر شديد الأهمية يمكن أن يشكل ثروة مصر الحقيقية إذا أحسن استخدامه، ثم رأس المال المادى والمتمثل فى البنية الأساسية التقليدية من طرق وجسور وشبكات كهرباء ومياه وغاز، ثم البنية الأساسية التكنولوجية، وهى صارت شديدة الأهمية، ومن دونها ستظل الدول بعيدة تماما عن مسار التقدم. وفى هذه التوصية أيضا ضرورة الصمود والاستدامة، والمعنى ألا نتقاعس أو نتراجع، ونواصل الجهد والعمل والإنتاج لتصبح هذه التنمية مستدامة.
التوصية الثالثة تتمثل فى ضرورة المضى قدما فى برنامج الإصلاحات الهيكلية القطاعية من صناعة وزراعة وتكنولوجيا المعلومات، وهذا البرنامج ــ ورغم كل آثاره شديدة الإيلام ـ أثبت أنه لم يكن هناك مفر منه، أو بديل له. لكن فى ظنى مع ضرورة تكثيف برامج الحماية الاجتماعية لرعاية الفئات التى تعرضت للطحن والهرس خلال تطبيق هذا البرنامج.
فى هذه النقطة فإن أحد أهداف برنامج الإصلاحات أن نحقق هدف المائة مليار دولار صادرات وأن يتم خفض عجز الميزان التجارى. نعلم أن الفجوة بين الصادرات والواردات شديدة وتصل إلى حوالى ٣٦ مليار دولار.من دون اقتحام جرىء لمشاكلنا الأساسية وحلول خلاقة، سيظل هذا العجز مزمنا. صحيح أن الدولة نجحت فى خفض معدلات الاستيراد، لكن الفجوة لا تزال كبيرة.
زيادة الإنتاج خصوصا الزراعى والصناعى هو الرافعة الأساسية للاكتفاء الذاتى أولا، ثم التصدير، وحينما يزيد التصدير سوف يقل العجز فى الميزان التجارى الذى هو عبارة عن الفارق بين الصادرات والواردات سلبا أو إيجابا، عجزا أو وفرا.
التوصية الرابعة فى التقرير شديدة الأهمية وتتعلق بالمهارات الإنسانية الرقمية، وصار التفوق فى هذا المجال هو المدخل للتقدم والرقى والنمو المستدام، ويكفى أن ننظر للنموذج الإسرائيلى ورغم خلافتنا معه فى كل شىء تقريبا، إلا أن نجح ولأسباب مختلفة فى فرض نفسه لاعبا أساسيا فى سوق التكنولوجيا من المياه إلى التكنولوجيا العسكرية.
فى هذه التوصية يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعى الذى أصبح إحدى العلامات الفارقة بين من يتوجهون للمستقبل أو الذين يصرون على العيش فى الماضى. هذا العامل صار يتداخل فى الكثير من أمور حياتنا. هناك أيضا الخدمات المالية الرقمية، وللموضوعية فإن البنك المركزى المصرى بدأ فى السنوات الأخيرة يقطع شوطا مهما فى رقمنة خدماته بحيث يتحقق الشمول المالى، الذى يوفر العديد من الجهد والمال والوقت. هناك أيضا قواعد البيانات الضخمة والشبكات والمنصات، ومعها القواعد الرقابية والتنظيمية، ومما يبشر بالخير أن وزارة الاتصالات تبذل جهدا كبيرا فى هذا الصدد وصرنا الدولة الثالثة على مستوى أفريقيا فيما يتعلق بالبنية التحتية، والمركز الأول فيما يتعلق بسرعة الإنترنت الثابت، وكلها مؤشرات إضافة إلى أنها تسهل حياة الناس، فإنها تحقق مكاسب كثيرة للاقتصاد القومى وتحارب الفساد.
التوصية الخامسة فى التقرير تتعلق بتوطين التنمية المستدامة والمثال الذى تذكره فى ذلك هو مبادرة «حياة كريمة».
ظنى أن هذه المبادرة وإذا تمت وأنجزت بالصورة التى تحدث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى، والدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، فإنها ستكون تغييرا ثوريا فى الريف المصرى، لأنها ستغير حياة حوالى ٥٨ مليون مصرى، وستحولهم إلى قوة منتجة وتحسن من جودة حياتهم، وبالتالى سيتوقف نزيف هجرة أهالى الريف إلى القاهرة الكبرى والخارج بصورة كبيرة. تتمنى أن تنجح هذه المبادرة وإلا تتكالب عليها قوى الروتين والفساد التى تعشعش فى المحليات وتخرجها من مضمونها.
أخيرا وجب أن نحيى الدكتور محمود محيى الدين وكل الباحثين فى هذا التقرير، ولكل من ساهم فى إخراجه بهذا الشكل وكذلك الشكر للأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبو الغيط ووزيرة التخطيط د. هالة السعيد، على هذا الجهد البحثى المتميز الذى أتمنى أن يستفيد منه الجميع، بحيث يكون مدخلا لإصلاح الكثير من الأفكار والسياسات وصولا لتحقيق التنمية المستدامة وتمويلها.