يصعب على أى مصرى أن يمنع نفسه من المقارنة حينما يزور دولة أخرى، خصوصا إذا كانت ظروفها لا تختلف كثيرا عن ظروفنا.
حاولت مرارا التخلص من هذه العادة لأنها ترهقنى نفسيا بصورة كبيرة، لكننى لم أفلح.
زرت أوزبكستان من صباح الجمعة حتى أمس الثلاثاء للمشاركة بصفتى عضوا فى مجلس الشيوخ فى مراقبة الانتخابات البرلمانية والمحلية التى أجريت يوم الأحد الماضى.
خلال الزيارة تجولت يومين فى شوارع العاصمة طشقند ومطاعمها ومراكزها التجارية ومتاحفها، كما قضيت يومين فى مدينة فرغانة شمال شرق البلاد التى تقع على الحدود مع طاجيكستان وقيرغيرستان.
وقد سبق لى زيارة طشقند وسمرقند مرتين خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالتالى صارت عندى فكرة عامة عن هذه البلاد التى كانت بمثابة اكتشاف مذهل لى.
الانطباع الأول عندى عن الشعب الأوزبكى بصفة عامة - مع وجود استثناءات بالطبع - هو أنه شعب طيب ومسالم وودود ومبتسم ومضياف مع الآخرين. علما أن الشعب أنجب الكثير من المحاربين الذين غزوا دولا كثيرة فى المنطقة وخارجها خصوصا فى فترة الأمير تيمور.
النظافة سمة أساسية فى الشوارع. يندر أن تجد أى قمامة فى الشوارع باستثناء أوراق الشجر الجميلة فى فصل الخريف الآن، ويتم تنظيفها أولا بأول.
الورود موجودة فى أنهار الشارع وعلى جوانبه ولا أحد يقطفها أو يعبث بها.
ومن خلال النظر من الطائرة فإن أسطح العمارات والبيوت نظيفة جدا ويندر أن تجد فوقها الكراكيب أو غابة أطباق الدش، وحينما سألت المرافقين قالوا إن الأطباق ليست ممنوعة ولكن كثيرا من الناس يستخدمون الإنترنت لمشاهدة الفضائيات.
حينما هبطت فى مطار كوكند الواقع فى ولاية فرغانة، وفى الطريق للفندق وسط المدينة شاهدت صورة كبرى لنجمنا محمد صلاح على جدران إحدى الكافتيريات الكبيرة. المرافقون قالوا لى إن غالبية الشعب الأوزبكى يحب هذا اللاعب ويعتبروه سفيرا ورمزا إسلاميا كبيرا ويعجبون به أيضا لأنه يسجد عقب تسجيل الأهداف. هذه الملاحظة سمعتها من شباب كثيرين، وعندها أدركت كيف تكون القوة الناعمة، وكيف أن لاعب كرة قدم جاد ومتميز يمكن أن يحقق لبلده وأمته ما تعجز عنه هيئات ومؤسسات ووزارات كثيرة.
وبمناسبة القوة الناعمة ففى أوزبكستان شعبية كبيرة للأزهر ودوره وشيخه وشيوخه ولهم مكانة مهمة جدا فى نفوس غالبية الشعب الأوزبكى.
ومن نقاشات كثيرة فهذا الشعب ليس متطرفا أو متعصبا، لكنه يفخر بحضارته الإسلامية خصوصا أنه قدم لهذه الحضارة أبرز علمائها ومنهم مثلا الإمام البخارى والترمذى وابن سينا والبيرونى والفارابى والزمخشرى والخوارزمى.
ولا أظن أن بلدا إسلاميا آخر قدم مثل هذه النماذج التى ساهمت فى نهضة الحضارة الإسلامية خصوصا فى جانبها العلمى والعقلى، وليس فقط الروحى الدينى وسأعود لهذا الموضوع فى سباق مختلف إن شاء الله.
المرور منساب والكل كبيرا أو صغيرا يخضع لقواعده، وباستثناءات قليلة فإن كل سائق ملتزم بحارته المرورية وبإشارات المرور وبالسرعة المقررة، ويساعد فى ذلك أن الشوارع متسعة، ومما يلفت النظر أن أكثر من 75٪ من السيارات ماركة شيفروليه ومعظمها بيضاء أو سوداء. والسبب أن الحكومة اتفقت مع هذه الشركة على تصنيع السيارات محليا، ومقارنة بعامين مضيا فإن أنواعا جديدة مختلفة بدأت تغزو الشارع خصوصا السيارات الصينية الكهربائية.
طبعا لا توجد تكاتك أو باعة جائلين بالصورة التى نراها فى غالبية الشوارع المصرية كما لا يوجد عسكرى مرور لأن الجميع تعود على احترام إشارات المرور الضوئية إلا ما ندر.
وارتباطا بالنظام أيضا فإن معظم محال السوبر ماركت تفتح من الثامنة صباحا إلى العاشرة مساء، أما الأسواق فتفتح من بعد صلاة الفجر حتى نهاية صلاة المغرب. أما ما يسمح له بالاستمرار فى العمل فهو بعض الصيدليات المحددة وبعض الخدمات الجماهيرية القليلة.
وبصفة عامة لا يوحد مقهى أو ورشة يمكن أن تستمر بعد الحادية عشرة مساء.
هذه انطباعات عامة سريعة وحتى لا يساء فهمى فالحياة هناك ليست ملائكية ولديهم مشاكل وتحديات فى مجالات كثيرة، لكن بصفة عامة أعتقد أنهم من الشعوب السعيدة والأهم المحبة لمصر والمصريين.