بقلم: عماد الدين حسين
الولايات المتحدة ومعها أوروبا وبعض الحلفاء يريدون من بقية بلدان العالم أن يقفوا فى معسكرهم ضد روسيا فى الأزمة الأوكرانية، وروسيا تريد من نفس هذه الدول أيضا أن تقف فى معسكرها.
وبالطبع فكل طرف سواء كانت روسيا أو أمريكا وحلفاؤها يقول بأنه يقف على الجانب الصواب فى الأزمة.
والسؤال الجوهرى هو فى أى جانب ينبغى أن تقف أى دولة: هل تناصر أمريكا والغرب وحكومة زيلينسكى فى أوكرانيا، أم تدعم روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين؟!
والسؤال الجوهرى هو: من الذى يجرؤ فى دول العالم على أن يتخذ موقفا مستقلا وحياديا فى هذه الأزمة ويقول لا لأمريكا أو روسيا وحلفائهما؟!
مبدئيا من حق كل دولة فى العالم بطبيعة الحال أن تتخذ الموقف الذى تراه صائبا من الناحية ويتفق وقوانين الشرعية الدولية. البعض يرى أن دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا هو غزو لدولة مستقلة ذات سيادة، وبالتالى ينبغى شجبه وإدانته والمطالبة بالانسحاب الفورى من الأراضى الأوكرانية. ومعظم هؤلاء صوت لإدانة ما اعتبروه غزوا روسيا لأوكرانيا فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أيام قليلة من الغزو.
وهناك دول ترى أن دخول القوات الروسية لأوكرانيا كان أمرا محتما واضطراريا للحفاظ على الأمن القومى الروسى بعد رفض أمريكا وأوروبا وحلف الناتو لكل المطالب الروسية المشروعة بعدم تمدد الحلف باتجاه الحدود الشرقية.
لكن بعيدا عن هذه الفئة أو تلك، فإن هناك دولا أخرى كثيرة قد لا تكون راغبة فى تأييد الموقف الغربى أو الروسى، لكنها مطالبة طوال الوقت من المعسكرين بإعلان موقفها الصريح هنا أو هناك.
الفيصل الأساسى هنا هو مدى قدرة أى دولة على الاعتماد على نفسها فى مواجهة ضغوط روسيا أو أمريكا.
فى العلاقات الدولية إذا كنت معتمدا على دولة كبرى اعتمادا كبيرا فإنه يصعب عليك كثيرا أن تقول لا لهذه الدولة حينما تطلب منك أن تتخذ موقفا سياسيا لصالحها والعكس صحيح تماما.
ومن هذه الزاوية يمكن القول بسهولة إنه حينما تكون معتمدا على نفسك قدر الإمكان خصوصا فى الاقتصاد والسلاح والأدوية والخبز وبقية السلع الأساسية فإن فكرة الضغط عليك فى هذه القضية أو تلك تكون مستبعدة إلى حد كبير.
حينما تكون صادراتك أكثر من وارداتك أو على الأقل مساوية لها، وحينما تكون معتمدا على نفسك فى الحبوب والوقود والمعدات ومستلزمات الإنتاج، وحينما تكون معتمدا على نفسك فى الأدوية والأغذية والأسلحة لن يكون أى طرف قادر على التأثير على قراراتك فى الأزمات الكبرى. ولن يكون هذا الطرف قادرا على الضغط عليك لتكون معه فى هذه الأزمة أو تلك.
وقد أثبتت قمة جدة بين الرئيس الأمريكى جو بايدن ورؤساء ٩ دول عربية أن العرب قادرون على قول لا للولايات المتحدة والرهان على مصالحهم، والسبب فى ذلك أن بلدان الخليج خصوصا السعودية والأمارات تمكنتا من استخدام سلاح النفط بمهارة وأجبرا بايدن على تغيير موقفه، والاستجابة لبعض مطالبهما كما أن قطر كسبت كثيرا باستخدام سلاح الغاز.
وفى بعض الأحيان قد لا تملك موارد كثيرة لكن السياسة الرشيدة لهذه الدولة أو تلك يمكنها أن تعوض قدرا من الفوارق الاقتصادية بمعنى أنها تكون قادرة على الدخول فى تحالفات مختلفة، تمكنها من تجنب الضغوط الدولية فى أوقات الأزمات الكبرى.
القمم العربية المصغرة واللقاءات الثنائية وآخرها قمة العلمين الخماسية أمس، قد تلعب دورا مهما فى تعظيم أوراق الضغط العربية حتى لا ندفع ثمن الحروب والصراعات والاتفاقيات والتحالفات الدولية والإقليمية.